(الثاني): قد يقال: جاءت أحاديث تفيد عدم أفضلية النبي صلى الله عليه وسلم، وهي قوله عليه الصلاة والسلام - لمن قال له: يا خبر البرية - (ذاك إبراهيم) وقوله عليه الصلاة والسلام: " لا تفضلوني على يونس "، وقوله صلى الله عليه وسلم (يصعق الناس فأكون أول من يفيق فإذا موسى باطش بالعرش فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقته يوم الطور) وقوله عليه الصلاة والسلام - من حديث - (فعرفت فضل علمه بالله علي) يعني جبريل عليه السلام. ولنا في الجواب عن هذه الأحاديث مسلكان:
(الأول): الترجيح. وذلك إن الأحاديث المذكورة أخبار آحاد، والأفضلية ثابتة بالقرآن والسنة المتواترة والإجماع، فتكون راجحة بلا نزاع.
(الثاني): الجمع. وهو من وجهين:
(أحدهما): أن تلك الأحاديث خرجت مخرج التواضع، مع الإشارة إلى حفظ رتبة يونس عليه السلام، حتى لا يتسرب إلى النفوس ما يغض من مقامه الكريم، بالنسبة لما حصل له، على أن حديث الصعق لا علاقة له بالأفضلية، لأن موسى عليه السلام إن كان لا يصعق يوم القيامة، مجازاة له بصعقة يوم الطور، فالأمر واضح. وإن كان يصعق ويفيق أول واحد فتلك مزية حقا؟
يقابلها من جانب النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم مزايا: أهمها الشفاعة العظمى التي يتأخر عنها موسى نفسه، ويتقدم لها نبينا صلى الله عليه وسلم. تتلوها شفاعات منه مقبولة. حتى يقول له مالك خازن النار: ما تركت لغضب ربك في أمتك من بقية. وحتى يناديه ربه: أقد رضيت يا محمد؟ فيقول: أي رب رضيت. ثم تقدمه لباب الجنة يستفتحها، فيقول له خازنها: بك أمرت ألا أفتح لأحد قبلك.
(ثانيهما): أن تلك الأحاديث صدرت من النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يعلمه الله بأفضليته عنده. بيان ذلك: أن الله تعالى والى إفضاله على نبيه وقتا بعد وقت، ولحظة بعد لحظة. فكان أول ما قال له في الإنذار (وأنذر عشيرتك الأقربين)