ولكن التفضيل في الحقيقة، منوط بخصال الكمال التي يتحلى بها النبي، مع المزايا التي يهبها الله تعالى له. على هذا الأساس يتفاضل الرسل والأنبياء وغيرهم، وهذا الأساس نفسه، هو مبنى أفضلية النبي صلى الله عليه وسلم. أما خصال الكمال التي كان يتحلى بها فينبئ عنها قوله تعالى (وإنك لعلى خلق عظيم) ولم يثن بهذا على نبي ولا رسول. فأفاد أنه متفرد بهذا الخلق.
وسئلت عائشة رضي الله عنها: كيف كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت:
كان خلقه القرآن. معنى هذا الجواب الوجيز الجامع: أن ما في القرآن الكريم من أخلاق وآداب وفضائل ومكارم يتمثل في شخصه عليه الصلاة والسلام. ولذا قال البوصيري رحمه الله تعالى:
فاق النبيين في خلق وفي خلق * ولم يدانوه في علم ولا كرم وأما المزايا التي وهبه الله إياها فكثيرة. مثل دفاع الله عنه، وندائه بوصف النبوة والرسالة، ونهى المؤمنين أن ينادوه باسمه المجرد، وتجنيد الملائكة للقتال معه، وإنذارهم على لسانه، وعموم بعثته، وختمه للنبوة، وإقسام الله بحياته، وغير ذلك مما يتحدث عنه هذا الكتاب.
ولا شك أن إثبات هذه المزايا، وتلك الأخلاق له صلى الله عليه وسلم، واعتقاد اتصافه بها، واجب شرعا. تتوقف عليه صحة عقيدة المسلم، كما صرح به العلماء، لأن كتاب الله تحدث بها صراحة ووضوح. بله السنة المتواترة والإجماع عليها من الأمة بجميع فرقها. وهذا معنى أفضليته عليه الصلاة والسلام. لأننا نعلم أنه لا يوجد نبي ولا رسول ولا ملك جمع هذه الصفات كلها غيره. وإذا فلا يوجد من يساويه، فضلا عن أن يفوقه. ومن هنا قطعنا بأفضليته عليه الصلاة والسلام، كما قطعنا بخطأ من فضل الملائكة أو الرسل عليه، وهو - أعني من فضل ملكا أو رسولا عليه - إما متناقض لاعتقاده ثبوت معنى الأفضلية له صلى الله عليه وسلم، مع إثبات لفظها لغيره، وإما غافل عن أن ثبوت المعنى لشئ، يلزمه ثبوت اللفظ لذلك الشئ، ضرورة أن اللفظ لازم للمعنى وتابع له.