ولهذا قال سادتنا علي ابن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهم وقتادة والسدي وقريب منه قول الحسن وطاووس كما ذكر ذلك الطبري وابن كثير وغيرهما من أهل التفسير: ما بعث الله نبيا من الأنبياء من لدن نوح إلا أخذ الله منه الميثاق ليؤمنن بمحمد صلى الله عليه وسلم ولينصرنه إن خرج في زمنهم، ولهذا فما من نبي من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إلا عنده علم به صلى الله عليه وسلم وبمبعثه وزمانه ومهاجره وعلاماته وأوصافه صلى الله عليه وسلم. قال تعالى عن اليهود الذين أخبرتهم أنبياؤهم بوصفه صلى الله عليه وسلم: (فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به) البقرة: الآية 89.
بل لم تعرف له صلى الله عليه وسلم قدره الأنبياء فحسب، وإنما عرفت له قدره الأشجار والأحجار وشهدت له بالرسالة لتحث الناس على الإيمان به.
فأما الأشجار:
فعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر،، فأقبل أعرابي، فلما دنا منه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أين تريد؟ " قال: إلى أهلي. قال: " هل لك في خير؟ " قال: وما هو؟ قال: " تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله "، قال: ومن يشهد على ما تقوله؟ قال: " هذه السلمة " - يعني الشجرة - فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بشاطئ الوادي، فأقبلت تخد الأرض خدا - أي شقا - حتى قامت بين يديه فأشهدها ثلاثا فشهدت ثلاثا أنه كما قال، ثم رجعت إلى منبتها، ورجع الأعرابي إلى قومه وقال: إن اتبعوني آتك بهم وإلا رجعت فكنت معك. رواه الدارمي والطبراني في الكبير وأبو يعلى والبزار ورجال الطبراني رجال الصحيح [أنظر " مجمع الزوائد " (8 / 292)].
وأما الأحجار وشهادتها:
فقد روى مسلم في صحيحه (4 / 1787) والدارمي في مسنده وغيرهما بأسانيد صحيحه من حديث جابر بن سمرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن ".