ثالثا: إن قولهم (بلا كيف) لا معنى له بعد قولهم الواضح الصريح بنزول الله بذاته إلى السماء الدنيا، لأن تخيل السامع لنزول جسم من أعلى إلى أسفل لن يزول من ذهنه، وهذا التخيل هو لب التشبيه، فتلك العبارة لم تزل ذلك المعنى!! فإيراد هذه الكلمة وما أشبهها لا يقدم ولا يؤخر في الحقيقة شيئا، لأنه غير معقول ولا مفهوم، كما أنه لا ينفي التشبيه والتجسيم.
رابعا: لقد أنكر أهل الحديث المعدودين من أكابر الأئمة لفظة (بذاته) عندما ذكرها بعض المشبهة أثناء كلامهم في حديث النزول هذا، قال الحافظ أبو عمر ابن عبد البر في (التمهيد) (7 / 144) ما نصه:
(وقال نعيم - بن حماد - ينزل بذاته وهو على كرسيه، قال أبو عمر: ليس هذا بشئ عند أهل الفهم من أهل ألسنة، لأن هذا كيفية وهم يفزعون منها لأنها لا تصلح إلا فيما يحاط به عيانا وقد جل الله تعالى عن ذلك، وما غاب عن العيون فلا يصفه ذوو العقول إلا بخبر ولا خبر في صفات الله إلا ما وصف نفسه به في كتابه أو على لسان رسوله ص فلا نتعدى ذلك إلى تشبيه أو قياس أو تمثيل أو تنظير فإنه ليس كمثله شئ وهو السميع البصير).
فتأمل!!
خامسا: ذكر الإمام الحافظ النووي في (شرح صحيح مسلم) (6 / 37) أن الإمام مالكا رحمه الله تعالى - وهو من أئمة السلف - أول النزول هنا بنزول الرحمة، فهذا فهم السلف للحديث وهو مناقض لما يدعيه المجسمة من قول السلف فيه.
وبذلك اتضح جليا بأن تأويل حديث النزول بنزول الملك هو المبني على القواعد الثابتة الواضحة وهو الموافق لبقية الروايات الصحيحة لهذا الحديث، وخير ما يفسر به الحديث حديث آخر كما قال أهل الحديث في علم المصطلح، ومن ذلك قول الحافظ العراقي في ألفيته:
وخير ما فسرته بالوارد * كالدخ بالدخان لابن صائد