فعلى هذا يعتبر القرآن الكريم هو الدليل الأهم والمصدر الأول في تلقي علم التوحيد منه وبناء المسائل العقائدية عليه، ومن المعلوم أن لذلك ضوابط وقواعد مقررة ومبثوثة في نصوص القرآن نفسه وفي حديث سيدنا رسول الله ص، فمثلا:
النسيان: ورد ذكره مضافا إلى المولى سبحانه وتعالى في آيات مثل قوله تعالى عن المنافقين * (نسوا الله فنسيهم) * التوبة: 67 وقوله تعالى عن الكافرين * (فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا) * الأعراف: 51 ومع ذلك فليس النسيان من صفات الله تعالى وإن ورد في القرآن وذلك لأن النسيان يدل على النقص لا الكمال لا سيما وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم * (وما كان ربك نسيا) * مريم: 64 فنفى سبحانه وتعالى عن نفسه النسيان في هذه الآية مع أنه أضافه لنفسه في آيات فيتضح لنا إذن أنه ليس كل لفظ ورد في القرآن الكريم يصح إطلاقه على الله تعالى والمثال الذي أوردناه شاهد واضح ودليل ساطع على ما قلناه، ولنتنبه هنا إلى أن أقواما من المجسمة الذين يشبهون الله تعالى بخلقه استغلوا المقولة المشهورة (لا نصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه) فذهبوا يصفون الله تعالى بما لا يصح أن يكون وصفا له بل يتنزه عنه.
فمثلا وصف أحدهم الله تعالى بأنه له جنب مستدلا بالآية الكريمة * (يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله) * مع أن جميع العرب الذين نزل هذا القرآن الكريم بلغتهم لا يفهمون من هذه الآية الكريمة إثبات الجنب لله تعالى وإنما يفهمون من هذه الآية أن معناه: يا حسرتي على ما فرطت في حق الله أو في أمر الله، كما تجد ذلك مبسوطا واضحا مرويا عن الصحابة رضي الله عنهم والتابعين رحمهم الله تعالى في تفسير الحافظ ابن جرير الطبري (مجلد 5 / جزء 8 / صحيفة 202) بالأسانيد الصحيحة المتصلة وهو من أهل القرن الثالث (توفي 310 ه).
وممن قال بإثبات الجنب لله تعالى أبو عمر الطلمنكي قال الذهبي في (سير أعلام النبلاء) (17 / 569):