واعلم يرحمك الله تعالى أن أهل الحق من المسلمين يثبتون لله من الصفات ما أثبت لنفسه، وما يشوشه المجسمة عليهم من أنهم معطلة وجهمية تشويش فارغ لا قيمة له بعد التمحيص العلمي والتدقيق (68).
فأهل السنة (الأشاعرة والماتريدية وغيرهم من أهل الحق المنزهين) يثبتون لله تعالى العلم والقدرة والإرادة والمشيئة والرحمة والحياة والسمع والبصر والكلام وغير ذلك من الصفات، وينزهون الله سبحانه عما لا يليق به، ولا يطلقون بعض الألفاظ والإضافات الواردة في الكتاب والسنة والتي لا يراد منها حقيقتها صفات لله تعالى، لأن نفس القواعد التي أسستها آيات القرآن المحكمة وأحاديث النبي ص الصحيحة ترفض ذلك، فمثلا لا يثبتون صفة النسيان مع أن لفظ النسيان ورد مضافا لله تعالى في القرآن، قال تعالى: * (نسوا الله فنسيهم) * التوبة: 67، فلم يصفوا الله بذلك - أعني النسيان - لأن الله تعالى يقول أيضا: * (وما كان ربك نسيا) * مريم: 64، وكذلك لفظ الهرولة والضحك والمرض والجوع وردت في أحاديث لا يجوز لأي عاقل أن يطلقها صفات على الله سبحانه، فالحديث الصحيح الذي فيه: (ومن أتاني ماشيا أتيته هرولة) لا نثبت به صفة الهرولة لله سبحانه التي معناها الحقيقي في اللغة المشي السريع، بل يعرف جميع العقلاء ويدركون بأن المراد بذلك هو المعنى المجازي في اللغة وهو: (من أطاعني وتقرب إلي تقربت إليه بإكرامه والإنعام عليه أكثر وأسرع).
وكذلك ما جاء في الحديث القدسي الصحيح: (عبدي مرضت فلم تعدني..) الحديث رواه مسلم (4 / 0 199 برقم 2569)، لا نقول أن الله أثبت لنفسه مرضا وأضافه إليه فنحن نثبت له صفة المرض، بل لا يقول بهذا عاقل، وقد أرشد الحديث إلى أن الصفة للعبد، وإنما صرفنا تلك الصفة من أن نعدها من صفات