يزل متكلما إن شاء، بمعنى أن الكلام صفة قديمة، وأنه تعالى يكلم أنبياءه متى شاء بدون حرف ولا صوت بالوحي ومن وراء حجاب، أو بإرسال رسول، وهو متكلم خالق قبل أن يكلم الرسل ويخلق الخلق، كما صرح بذلك غلام الخلال من قدماء الحنابلة في المقنع. وأما عثمان بن سعيد الدارمي السجزي مؤلف النقض على المريسي فكان فيما سبق لا يخوض في صفات الله سبحانه كما هو طريقة السلف.. ثم انخدع بالكرامية وأصبح مجسما مختل العقل عند تأليفه المذكور، وهو حقيق بأن يكون قدوة للناظم.. ونسجل هنا على الناظم اعتقاده قيام الحوادث بذات الله سبحانه وتعالى، واعتقاده أن هذه الحوادث لا أول لها.
وإني ألفت نظر حضرة القارئ إلى هذه العقيدة، وهل تتفق مع دعوى أنه إمام دونه كل إمام؟ بل هل تتفق هذه العقيدة مع دعوى أنه في عداد المسلمين؟ " (1).
ويقول: " اتفقت فرق المسلمين سوى الكرامية وصنوف المجسمة على أن الله سبحانه منزه عن أن تقوم به الحوادث وأن تحل به الحوادث.. وأن يحل في شئ من الحوادث، بل ذلك مما علم من الدين بالضرورة. ودعوى أن الله لم يزل فاعلا متابعة منه للفلاسفة القائلين بسلب الاختيار عن الله عز وجل، وبصدور العالم منه بالإيجاب، ونسبة ذلك إلى أحمد والبخاري وغيرهما من السلف كذب صريح وتقول قبيح، ودعوى أن تسلسل الحوادث في جانب الماضي تصور غير محال لا يصدر ممن يعي ما يقول، فمن تصور حوادث لا أول لها تصور أنه ما من حادث محقق إلا وقبله حادث محقق، وأن ما دخل بالفعل تحت العد والإحصاء غير متناه. وأما من قال بحوادث لا آخر لها، فهو قائل بأن حوادث المستقبل لا تنتهي