وإن كان ما يجعله قائما بذات الله تعالى هو جنس الحوادث.. والجنس قديم عنده، فعلى هذا نقول له: هذا الجنس القديم في زعمك إما أن يكون عدميا وإما أن يكون وجوديا. فإن كان أمرا عدميا لا وجود له.. ولا تحقق له في الأفراد..
فيكون وصف المعدوم بالقدم عبثا مصادما لبداهة العقل وضرورة الفكر.. إذ كيف يكون المعدوم قديما. وإن كان هذا الجنس القديم أمرا وجوديا.. فيلزم عليه أمور:
أولا: يكون ابن تيمية قد خالف أساس دعواه.. وناقض نفسه بنفسه..
لأنه ادعى قيام الحادث بذات الله تعالى.. وهنا يقول بأن الجنس قديم.
ثانيا: إما أن يكون هذا الجنس القديم القائم بذات الله تعالى قد قام بمشيئة الله أم لا. فإن قام بمشيئته يكون الخلف، لأن كونه مشاء يفيد أنه لم يكن موجودا ثم وجد.. لضرورة ثبوت الاختيارية لله تعالى، لأننا إذا لم نقل بأن هذا الجنس لم يكن موجودا ثم وجد، ترتب على ذلك سلب الاختيار عن الله عز وجل وهو باطل، فعلى هذا يكون الجنس حادثا قديما، وهذا خلف.
وبالتالي: إن كان الجنس القديم موجودا بغير إرادة ومشيئة، لكان في هذا سلب الاختيار عن الله وهو محال.. فالقول بالقدم النوعي محال.
ثالثا: إذا كان هذا الجنس قديما وجوديا فهو غير الله تعالى - بلا ريب - بدليل أن أفراد هذا الجنس حادثة باتفاق.. فيلزم على هذا تعدد القدماء.. وتعدد القدماء باطل عقلا وشرعا.
وبعد.. فقد مضينا في مناقشة ابن تيمية هنا على طريق التسليم الجدلي فقط لا الواقعي.. وإلا فإن الواقع كما تقرر سابقا هو: إن الجملة ليست شيئا أكثر من الأفراد مجتمعة.. فإذا تقرر أن كل فرد منها حادث لزم من ذلك حدوث الجملة قطعا، فعلى هذا يستحيل وجود حوادث لا أول لها.