وأما من الثاني فمع اشتراكه معه في كونه ضرريا بالأصالة يمتاز عنه بأن النفي حقيقي لا ادعائي، مع أن النفي ادعاء إنما يصح فيما إذا كان الحكم من فوائد الموضوع الخارجي وآثاره حتى يصح نفيه مع عدم ترتب أثره عليه، وليس الحكم التكليفي بالإضافة إلى الموضوع الخارجي كذلك، فلا مصحح لادعاء عدمه في الخارج، نعم في مثل الصحة ولزوم المعاملة يمكن ارجاعهما إلى آثار المعاملة وفوائدها المترقبة منه، وبقية الكلام في الأصول (1).
وعلى أي حال فلزوم المعاملة حيث إنه ضرري مرفوع، إما ابتداء أو أن المعاملة المقومة للزوم مرفوعة، فيستتبع رفع حكمها المتحد معها، أو أن المعاملة الخارجية مرفوع عنها حكمها بلسان رفعها ادعاء.
ومنها: أن الضرر المتصور في المعاملة الغبنية هو النقص المالي الذي نشأ من وقوع العقد، وضررية لزومها بأحد تقريبين:
الأول: أن المعاملة - كما قدمناه (2) - وقعت مبنية على ما هو المتعارف بين العقلاء، الذي لا غرض لهم في المعاوضات المالية إلا إقامة مال مقام مال في ماله من المالية، فإذا كان جاهلا بالقيمة ووقعت منه هذه المعاملة ولم يكن ما بإزاء ماله واقعا مساويا له في المالية لم يكن منه اقدام على الضرر، لفرض وقوع معاملته بملاحظة ذلك الشرط الضمني على المساوي، فلو كان مع ذلك ملزما بالمعاملة لكان استقرار هذا الضرر من ناحية الزام الشارع بالوفاء.
الثاني: أن المعاملة وإن لم تقع مبنية على ما ذكر إلا أنها مع قطع النظر عن انفاذ الشارع والزامه بالوفاء لم يقع في الضرر لا حدوثا ولا بقاء، إذ مع عدمهما يكون ماله باقيا على ملكه، ولو خرج عن ملكه بفرض الصحة لم يكن له ضرر بقاء مع عدم لزومها.
وبهذا البيان تبين أن ضررية اللزوم لا تتوقف على فرض البناء والشرط الضمني