ومما ذكرنا يظهر أولوية هذا الوجه من جميع الوجوه المتقدمة:
أما كونه أولى من الوجه الأول، لأن الوجه الأول يتوقف على الادعاء أو لحاظ الاتحاد في أمر عرضي خارجي، والثاني أجنبي عن حقيقة الحمل كما بيناه في محله، والأول وإن لم يوجب تجوزا لكنه خلاف الأصل، بخلاف كون التصرف التزاما عمليا فإن الحمل بلحاظ نفسه، وليس فيه ادعاء، بل التصرف عمل الملتزم حقيقة.
وأما كونه أولى من الوجه الثاني فهو أن عنوان الكاشف إذا لوحظ في التصرف فمقتضاه أنه بما هو معنون بهذا العنوان رضا، وإلا لم يكن بينهما اتحاد، وإذا كان بهذا العنوان رضا فهو بهذا العنوان مسقط، فلا معنى لأن يحكم عليه بالمسقطية بما هو تصرف، وأن يحكم عليه بالرضا بما هو كاشف، وبعبارة أخرى ما هو مناط الحمل هو مناط الحكم، لأن القضية الحملية إما هي نفس الجزاء أو قائم مقامه، فلا معنى لأن يكون الحمل بلحاظ والحكم بلحاظ آخر.
وأما أولويته من الثالث والرابع - بوجه مشترك في مطلق ما لوحظ فيه الكشف بنحو العلية أو الحكمة - فهو أن الظاهر حمل الرضا على التصرف المشار إليه بقوله (عليه السلام) (فذلك) لا التصرف بما هو كاشف، حتى يكون الاتحاد من باب اتحاد الدال والمدلول، ولا أنه اعتبر هذا العنوان في المحمول حتى يؤول إلى أن التصرف كاشف عن الرضا، لأن ظاهره حمل الرضا لا حمل الكاشف عنه، بخلاف موضوع الالتزام العملي فإنه نفس التصرف، ومحموله نفس الالتزام الذي هو مفهوم عام له مراتب ثلاث كما مر، مع خلو هذا الوجه عن المحاذير التي أوردها على تلك الوجوه.
مع أن الوجه الرابع مخصوص بمحذور لا يرد على هذا الوجه، وهو أن التصرف وإن لوحظ بما هو كاشف إلا أن الكشف الذي ينسب إليه بما هو تصرف بحيث يكون لازم وجوده هو الكشف النوعي، وأما الكشف الفعلي الشخصي فلا يعقل أن يكون لازم وجوده بما هو تصرف، بل يلزمه أحيانا بضميمة أمر آخر، فلا معنى لحمل الرضا على التصرف بما يستلزمه نفس التصرف، وليس عنوان الكاشف في الكلام حتى يدعى ظهوره في الفعلي - كما في جميع المفاهيم الثبوتية المنسوبة إلى شئ أو