والمكشوف بنحو من الاتحاد، فليس التصرف - بما هو - رضا، بل بما هو كاشف عنه، إذ المكشوف بالذات مع الكاشف متحدان، نظير اتحاد الماهية والوجود، والمكشوف بالذات - وهي طبيعة الرضا - متحد مع الرضا الخارجي اتحاد الطبيعي مع فرده في الوجود، فبهذه العناية كل كاشف يحمل على مكشوفة، وكل مظهر يحمل على الظاهر به إذا لوحظ الكاشف والمظهر بنحو الفناء في المكشوف والظاهر، لا بما هو هو.
وهنا وجه خامس: - ولعله أوجه الوجوه - وهو أن الرضا عبارة عن الالتزام بالعقد، فإن معنى ارتضائه إياه اختياره والالتزام به، والالتزام كالتصديق جناني وقولي وعملي، فإن اعتقاد صدق المخبر تصديق جناني، وقوله " أنت صادق " تصديق قولي، والجري على ما أخبر به بالعمل على وفقه تصديق عملي له، فكذا الالتزام قلبي وقولي وعملي، فإن الرضا بلزوم العقد قلبا ارتضاء والتزام قلبي، وقوله " التزمت بالعقد وارتضيته " التزام قولي انشائي، والتصرف في المبيع على حد تصرفه في سائر أمواله والانتفاع بأحد وجوه الانتفاعات التزام عملي وارتضاء فعلي، وليس بابه باب الكشف عن الرضا قلبا ليؤول إلى الوجه الثالث، بل هو بنفسه من حيث إنه عمل الملتزم يسمى التزاما عمليا، كما أن الجري العملي على وفق الخبر تصديق عملي بنفسه لا من حيث كشفه عن اعتقاد الصدق، وكذا في باب ابقاء اليقين عملا ونقضه عملا، فإن الجري على وفق اليقين السابق ابقاء لليقين عملا، لا من حيث كشفه عن اليقين قلبا.
ولا يؤل هذا الوجه إلى الوجه الأول بتوهم التنزيل للعمل منزلة الالتزام والرضا، فإن التصرف مع قطع النظر عن حكم الشارع واعتباره التزام عملي كالتصديق العملي، لا أنه بحكمه واعتباره التزام عملي، وإنما الحاجة إلى التنزيل فيما إذا جعلنا العمل بحكم الالتزام القلبي كما في الوجه الأول، كما أنه لا دخل للالتزام العملي بالالتزام الانشائي بالفعل كالانشاء بالقول، فإنه التزام عملي قهرا، لا أنه التزام انشائي قصدا بعمل كالقول، كما يتضح بمقايسته إلى التصديق العملي والابقاء العملي.