إسناد هذا المعدوم إلى الشارع، فإن ملاك جريانها أن الفاعل إذا كان قادرا على الفعل فهو قادر على الترك لا محالة، وإلا لزم أن يكون مضطرا في الفعل كاضطرار المرتعش في الحركة، فيصح أن يسند الترك إلى الفاعل وعدم الحكم إلى الشارع.
لأنا نقول مرجع الاستصحابات العدمية إلى حكم الشارع بالعدم، فإن استمراره بمفاد لا تنقض مرجعه إلى وضع العدم على حاله وعدم طرده بإيجاد نقيضه، وأين هذا مما لا يكون هناك حكم أصلا لا نفيا ولا إثباتا.
ولو سلمنا صحة إسناد هذا العدم إلى الشارع بالمسامحة والعناية بأن يقال:
كان للشارع أن يحكم إما بالضمان أو بعدم الضمان، فإذا لم يحكم فعدم الحكم أيضا من أحكامه، فإذا لزم منه الضرر يرتفع ويحكم بالضمان. ولكنا نقول: إن هذا الضرر لا يمكن أن يكون مرفوعا بقاعدة لا ضرر إلا إذا كان مفاد الحديث أن الضرر الغير المتدارك ليس مجعولا، وهذا المعنى مرجعه إلى الوجه الرابع الذي تقدم في فقه الحديث، وهو الذي ظهر أنه أردء الوجوه ولا تصل النوبة إليه إلا بعد تعذر المحتملات الأخر.
وعلى أي حال لو التزمنا بهذا فلا معنى لحكومته على الأحكام الثابتة، لأنه لا جامع بين هذا المعنى والمعنى الأول.
ولا يقال: إن ورودها في مورد الشفعة وفي مورد منع فضل الماء بل في قضية سمرة كاشف من حكومتها على الأحكام العدمية، فإن مفادها في هذه الموارد نفي عدم ثبوت حق للشريك، ونفي عدم ثبوت حق لصاحب المواشي، ونفي عدم ثبوت حق للأنصاري، وعدم تسلطه على قلع العذق.
لأنا نقول: أما مسألة الشفعة ومسألة منع فضل الماء فليس ثبوت حق الشفعة وكراهة منع الماشية فيهما من باب حكومة لا ضرر على الأحكام العدمية، بل ثبوت هذين الحكمين إنما هو كثبوت الطهارة للحديد للحرج. فكما أن الحرج حكمة لرفع النجاسة عن الحديد، فكذلك الضرر حكمة لجعل الخيار واستحقاق صاحب المواشي للانتفاع بفاضل ماء بئر الغير. ولذا لا يدور الحكم مدار الضرر،