في الأرض المستأجرة، فإن مع علمه بعدم استحقاقه للبناء أو الغرس إلا في مدة الإجارة فقد أقدم على الضرر.
وبالجملة للإقدام صور ثلاث:
الأولى إقدامه على موضوع يتعقبه حكم ضرري كمن أجنب نفسه أو شرب دواء.
الثانية: أن يكون الإقدام على نفس الضرر كالإقدام على المعاملة الغبنية.
الثالثة: إقدامه على أمر يكون مستلزما لتعلق الحكم الضرري عليه، سواء كان الحكم قبل الإقدام فعليا - كما في غاصب اللوح - أو لم يكن كذلك ولكنه يعلم بتحققه بعد ذلك، كمن بنى في الأرض المستأجرة.
أما الصورة الثانية فالفرق بينها وبين الصورة الأولى في كمال الوضوح، لأن في الصورة الثانية أقدم على نفس الضرر والحكم ليس إلا مقدمة إعدادية، إذ ليس الضرر إلا هو النقص في المال، وهو بنفسه أقدم عليه، سواء كان العقد لازما أو جائزا، فلم ينشأ الضرر من لزوم العقد، بل لا يصح نسبة الضرر إليه، لأن الضرر الذي أقدم عليه في رتبة الموضوع للزوم فلا يعقل أن يكون مسببا عنه، فلا يمكن أن يرتفع هذا اللزوم بأدلة الضرر.
وأما في الصورة الأولى فلم يقدم إلا على أمر مباح خال عن الضرر وإنما ينشأ الضرر من الحكم، فالحكم في هذه الصورة هو الجزء الأخير من العلة، والإقدام على إيجاد موضوعه هو المقدمة الإعدادية عكس الصورة الثانية.
وإنما الإشكال في الفرق بين الصورة الأولى والثالثة، لا سيما القسم الأخير منها وهو الغرس في الأرض المستأجرة، فإن الحكم بتخليص الأرض وتفريغها ليس فعليا كالحكم بوجوب الغسل والصوم، وهو أيضا لم يقدم إلا على أمر خال من الضرر فعلا كإقدامه على إجناب نفسه وشرب الدواء.
ولكنه بالتأمل فيما ذكر - وهو أن كلما كان الضرر عنوانا ثانويا للحكم فهذا الحكم مرفوع بقاعدة نفي الضرر وكلما كان عنوانا ثانويا لإقدام المكلف وكان