القضيتين الخارجة عن مادتي الموضوع والمحمول - ولازمه القول بتربيع أجزاء القضية كما قالوا. وهذا الوجه وإن كان أصلح من الوجه الأول، إلا أنه أيضا خلاف التحقيق ويصادمه الوجدان الدقيق، إذ من البديهي في استعمالاتنا ومحاوراتنا أن النسبة ليست شيئا برأسها وجزء للقضية بنفسها، إذ لازمه أن يكون من سنخ الماهيات، مع أنها منحصرة في المقولات المعروفة، مضافا إلى أن بناء عليه تحتاج بنفسها إلى ما يربطها بطرفيها. فافهم جيدا.
وقد خرجنا عما هو المقصود في المقام. وكيف كان فعلى هذين الوجهين يتم استصحاب الأعراض بوجوداتها النعتية، كما يصح صدق السالبة بانتفاء الموضوع أيضا. ولكن على ما هو تحقيق الحق في المقام كما قال به المتأخرون من أهل الصناعة من أن النسبة في حاق حقيقتها منقسمة إلى ثبوتية وسلبية، وأنها بكلا قسميها واردة على مادة المحمول، فالإيجاب عبارة عن ثبوت المحمول العرضي لموضوعه، كما أن السلب سلب المحمول عن موضوعه، وأنه غير متصف به وغير معنون بعنوانه. ومرجعه إلى ما ذكرناه واخترناه - على ما يساعد عليه الوجدان في الاستعمالات والمحاورات - من أن النسبة الثبوتية أمر منتزع عن نفس وجود العرض في محله وقيامه به وفنائه فيه، كما أن السلبية عبارة عن عدم قيام العرض بمحله، فيصير ذلك وصفا وعنوانا عدميا للموضوع لا محالة. وهذا معنى قولهم النسبة في حاق حقيقتها تنقسم إلى الثبوتية والسلبية.
ويشهد لذلك ما بنوا عليه وحققوه: من أن كل واحد من الوجود والعدم ينقسم إلى النفسي المحمولي والرابطي.
نعم، قد استشكل صدر المتألهين في العدم الربطي نظرا إلى أن العدم كيف يكون رابطا، مع أنه لا يصلح لأن يكون منشأ لأثر، بل الآثار كلها من قبل الوجود وهو منشؤها ومبدؤها. ولذا قد مال في حقيقة النسبة إلى ما ذهب إليه المتقدمون:
من أن النسبة السلبية سلب ما في القضية الإيجابية، غفلة عن تواليه الفاسدة ومحاذيره التي أشير إليها في الجملة، مع مصادمته للضرورة والوجدان.