وهذا بخلاف ما إذا كان من قبيل جعل الأجرة على الأعمال كما في جميع العقود العهدية - مثل القراض والمضاربة والسبق والرماية والجعالة ونحو ذلك - فإن قوام وقوع العمل محترما مضمونا على الغير بأن يكون بأمر الغير والتماس منه.
وبعبارة أخرى: كأن إرادة الفاعل منبعثة عن إرادة الغير، وإلا فلا يقع محترما ومضمونا عليه جدا. وحينئذ لو أجاز مالك الجعل أحد هذه العقود المذكورة، فبالإجازة وإن استند العقد إليه وصار عقدا له ولكن فائدته إن العامل لو لم يأت بالعمل فمن حين الإجازة يصير عمله محترما وواقعا بإذن الغير والتماس منه فيقع مضمونا عليه. وأما الأعمال السابقة فلا يكاد يفيدها الإجازة، لوضوح أن بالإجازة لا يخرج العمل عما وقع عليه من كونه متبرعا غير مضمون على أحد.
نعم، لو كان جاهلا بالحال وأقدم بتغرير الفضولي يرجع إليه بمقتضى المغرور يرجع إلى من غره وهذا مطلب آخر.
وبالجملة: ففي هذا السنخ من العقود لا سبيل إلى القول بالكشف ولو قلنا به في العقود المعاوضية، كما لا سبيل إليه في العقود الإذنية التي قوام تحققها بالإذن والاستنابة - كالوكالة والوديعة والعارية وأشباه ذلك - فلو وكل شخص أحدا فضولا من الغير فمرجع إجازة الغير إلى إذنه واستنابته فيما وكل له فعلا، ولا معنى لكشفها عن صحة ما وقع فضوليا، لما عرفت أن حقيقة هذه العقود الإذن والاستنابة فيما هو وظيفة للمنوب عنه، فلا يعقل وقوعها بدون الإذن وإن لحقه.
ويترتب عليه ضمان الوكيل الفضولي لو تصرف في مال الغير على وجه يوجب الضمان، إلا أن يكون إذنه وإجازته فيما بعد على وجه يستلزم سقوط ضمانه فتأمل جيدا.
وأولى بما ذكرنا من عدم قابلية الإجازة للكشف ما إذا كان توقف المعاملة عليها لأجل تعلق حق للمجيز على أحد العوضين على وجه يمنع من تصرف المالك، كما في بيع الراهن العين المرهونة بلا إذن من المرتهن، وكما في بيع ما تعلق به حق الخيار بناء على أنه حق متعلق بالعين.