وبالجملة: فهذه الفروع الأربعة المذكورة في المقام كلها مبنية على الوجهين:
من احتمال التعبد فيدور الحكم نفيا وإثباتا مدار الاستفادة من الأخبار، واحتمال كونه إرفاقا للبائع فيدور مدار هذا المعنى كما لا يخفى.
والإنصاف أن الالتزام بالتعبد المقتضي للجمود على ألفاظ الروايات في جميع المقامات بعيد جدا، وإلا فاللازم هو القول بنفي الصحة لا اللزوم. وفهم الأصحاب حينئذ لا اعتماد به بعد احتمال استناده إلى تلك القرينة المرتكزة أي كون الحكم من جهة الإرفاق على البائع بمقتضى الضمان قبل القبض، كما أن إناطة الحكم بتلك الجهة أيضا موجبة للخروج عن مورد الأخبار طرا، لوضوح أن قبض الثمن وعدمه غير مرتبط بتلك الجهة، مع أن اشتراط عدمه مجمع عليه ظاهرا نصا وفتوى. وإن كان الإرفاق من جهة تأخير ثمنه لا من جهة كون المبيع في ضمانه كما احتملناه سابقا، فحينئذ فاشتراط عدم قبض المبيع غير موجه، لعدم مدخليته في تلك الجهة. وإن كان كل واحدة من الجهتين مقتضية لتشريع الخيار للبائع فلازمه الاكتفاء بأحد الأمرين، من عدم قبض الثمن أو إقباض المثمن.
وبالجملة: فالجهتان كأنهما متدافعتان، وهذا المطلب يعطي التعبدية والاقتصار على ما يستظهر من الأخبار من الخصوصية. اللهم إلا أن يقال: إن كلتا الجهتين كانتا مرعيتين في تشريع هذا الخيار، والشاهد عليه كما يساعده الاعتبار أن مع إقباض المثمن وعدم قبض الثمن يمكن استيفاء حقه بالمقاصة ونحوها، وكذلك مع قبضه الثمن فقط يمكن إقباض المثمن إلى الحاكم وغيره رفعا لضمانه وتخلصا عن دركه. وهذا بخلاف ما إذا لم يقبض الثمن ولم يقبض المثمن، فإن تخلصه من درك هذه المعاملة إنما هو بالخيار بعد الثلاثة وجواز الفسخ واستيفاء حقه من نفس المثمن فتأمل جيدا.
وكيف كان فالمعتبر نصا وفتوى اعتبار كلا الأمرين، من عدم إقباض المثمن وعدم قبضه للثمن، كما هو ظاهر النصوص المتقدمة. وقد تقدم الكلام فيما يتعلق بالأول.