وبالجملة: حكم الغبن حكم العيب، ولا شبهة في صحة البراءة من العيوب، ومنشأ ذلك أن أصالة السلامة أو اشتراط التساوي في المالية ليس مصححا للبيع حتى بإسقاطهما يفسد، بل هما من الشروط الضمنية التي يوجب تخلفهما الخيار.
فإذا بنى العاقد على الشراء ولو كان معيبا أو لو لم يسو بما اشتراه فيسقط شرطه.
وهذا بخلاف الأوصاف التي بها تختلف القيمة في العين الغائبة، فإن اعتبارها مصحح للبيع فلا يمكن إسقاطها، فإنه يناقض اعتبارها. فلا يصح قياس إسقاط خيار الغبن على خيار الرؤية، بل الصواب فيه أن يقاس على خيار العيب. فكما أن وصف الصحة ليس من الأمور التي بسبب اعتبارها يصح العقد ويخرج البيع عن الغرر، لأن البيع ليس غرريا كان الأصل في الأشياء هو السلامة أو العيب. فكذلك البيع بمقدار معين من الثمن ليس غرريا، كان بناء المتعاقدين على اشتراط تساوي العوضين في المالية أو لا.
قوله (قدس سره): (الثالث تصرف المغبون.... إلى آخره).
قد ذكرنا في خيار الحيوان وجه كون تصرف ذي الخيار فيما انتقل إليه إجازة، بما لا مزيد عليه، فراجع.
وظهر مما قدمناه أن التصرف المالكي مسقط للخيار مع العلم بموضوع الخيار. فلو اشتبه عليه الحيوان الذي اشتراه وتصرف فيه بتخيل غيره فهذا التصرف ليس مسقطا، ففي المقام لو لم يعلم بالغبن فالتصرف الواقع منه ليس التزاما بالناقص مقابل الزائد، وهذا واضح.
قوله (قدس سره): (فتأمل).
لا يخفى أن ما يتخيل كونه منشأ للأمر بالتأمل أحد الوجوه الثلاثة:
الأول: المناقشة في الفرق بين الدفع والرفع فيما كان الدليل الدال على حكم المستصحب اجماعا، أي لا فرق بين أن يكون الشك في الدفع أو الرفع فلا يجري الاستصحاب مطلقا، لأن الحكم ثبت بالإجماع لا بالدليل حتى يستصحب في مورد الشك. ولكن لا يمكن أن يكون ذلك وجه نظر المصنف (قدس سره)، لما أوضحه في