وأما كون بيع الغاصب مسبوقا بالمنع ففيه أولا: أن محل البحث هو الأعم من الغاصب وغيره، كالجاهل بأنه ملك الغير فيبيعه لنفسه كما في مورد الإقالة بوضيعة.
وثانيا: أن المنع متوجه إلى البيع للغاصب، لا إلى البيع مطلقا، لإمكان تحقق الرضا من المالك في أصل البيع.
وثالثا: أن مجرد الكراهة لا تؤثر شيئا. وأما كون المنشأ غير المجاز فهذا متفرع على عدم إمكان تحقق قصد المعاوضة الحقيقية، وإلا فالمنشأ هو المجاز كما سيتضح إن شاء الله. فالعمدة رفع هذا الإشكال.
ولكن الحق إمكان تحقق قصد المعاوضة الحقيقية من الغاصب فضلا عن الجاهل المعتقد بأنه ملكه.
أما إجمالا فلما نرى خارجا من قصد المعاوضة حقيقة من الظلمة والسراق، بل لا يفرقان بين ملكهما الموروثي والملك الذي بيدهما من غيرهما.
وأما تفصيلا فلأن صدور المعاملة من الغاصب مبني على تجعل منه في المالكية، بمعنى أنه يغصب الإضافة الحاصلة بين المالك وملكه ويسرقها، وكأنه يقطع حبل الملكية المتصلة بين المالك وملكه ويوصله بنفسه، فبعد سرقة الإضافة يرى السارق نفسه ذا إضافة وذا جدة اعتبارية، فيبيع ما هو ملك له كسائر أمواله التي تحت سلطنته. وبهذا الاعتبار يصدر المعاوضة منه حقيقة، ويوقع التبديل بين ملكي المالكين.
ثم لا يخفى أن هذه المقدمة المطوية - أي رؤية نفسه مالكا - لا تضر بالمعاملة، وليس من موانع العقد، كمانعية الفصل بين الإيجاب والقبول ونحو ذلك، فإن هذا البناء والتشريع كالبناء في العبادات الغير المضر بعباديتها.
وتوضيح ذلك: أنه لو قصد وصفا مخالفا لما هو وصف المأمور به - كما لو قصد الوجوب في مكان الاستحباب أو القضاء في مكان الأداء أو عكس ذلك - فتارة يكون جاهلا بالوصف الواقعي، وأخرى عالما به.
وعلى التقديرين: تارة يقيد قصده بهذا الوصف المخالف، وأخرى لا يقيده به،