حقيقة، والهبة غير البيع، وحقيقة البيع أن يتبدل طرف إضافة بطرف إضافة أخرى مع بقاء أصل الإضافة. فخروج الثمن عن ملك زيد يقتضي دخول المثمن في ملكه، فإذا خرج الثمن من ملكه إلى ملك عمرو فلا معنى لدخول المثمن في ملك بكر، وإن هذا إلا هبة من زيد لعمرو، وهبة من عمرو لبكر. والبيع وإن كان مبادلة مال بمال إلا أنه مبادلة بينهما في طرفي الإضافتين، فلا يعقل أن لا يدخل المعوض مكان العوض.
وأما الأول ففيه أولا: أن الحكم في المقيس عليه ممنوع، فإن الإذن لا يتضمن التمليك فإنه ليس مشرعا. وقياسه على مسألة " أعتق عبدك عني " و " ألق مالك في البحر وعلي ضمانه " ونحو ذلك قياس مع الفارق. وتقدم صحة مسألة العتق وفساد اقتضاء الإذن التمليك في فروع المعاطاة مفصلا.
وثانيا: على فرض اقتضاء الإذن التمليك آنا ما من باب أن من أنحاء سلطنة المالك اقتضاءه له، إلا أن الإجازة لا تقتضي ذلك، للزوم الخلف والمناقضة، لأن اعتبار إجازة المالك والاحتياج إليها إنما هو لو تعلقت بنفس تبديل الملكين للمالك الواقعي منهما، فاقتضاؤها تمليك الفضولي ممتنع، إلا إذا تعلقت بالملكية البنائية من الغاصب، وهذان مما لا يجتمعان.
وبعبارة أخرى: لبيع الغاصب اعتباران: اعتبار أن المبيع ملكه، واعتبار إنشائه التبديل بين الملكين لمالكهما الواقعي. وبالاعتبار الأول لا موقع للإجازة، لأن الشخص لو باع مال نفسه فبيعه لا يتوقف على إجازة غيره، فما يتوقف على الإجازة ويصح بها هو الاعتبار الثاني، وهو لا يقتضي تمليك الغاصب، بل يضاده، لأنه يقتضي وقوع البيع في ملك المجيز لا العاقد. وهذا الإشكال لا يرد في الإذن السابق بناء على تأثيره، لأن بعد تحقق الإذن يقع التبديل في ملك المأذون.
وبالجملة: قياس الإجازة على الإذن إنما يصح لو وقع تمليك فضولي من الغاصب لنفسه، بأن وهب مال المالك لنفسه فضولا ثم باع الموهوب، وتعلق الإجازة بالهبة.