ولا يخفى أن هذه الصحيحة صريحة في القيدين منها، وهما: كون الدين في ثمن رقبتها، وعدم مال آخر لمولاها. وظاهرة في القيد الآخر، وهو: موت المولى، فإن ظاهر سؤاله عن أنه " لم باع أمير المؤمنين " أن البيع وقع منه (عليه السلام) بعد موت المولى، وإلا كان المناسب أن يقول: لم أمر أمير المؤمنين (عليه السلام) ببيع أمهات الأولاد.
وهكذا ظاهر قوله (عليه السلام): " ولم يدع من المال " أن هذه القضية كانت بعد موت المولى.
ولا وجه لدعوى إطلاق صحيحته الأخرى عن أبي الحسن: عن بيع أم الولد تباع في الدين؟ قال: " نعم، في ثمن رقبتها " (1)، فإن هذه أيضا ظاهرة في ما بعد الموت، فإن " تباع " يستعمل في هذا الحال.
نعم، هي مطلق من حيث وجود مال آخر وعدمه، ولكن بعد صراحة الصحيحة الأولى في اختصاص الحكم بما إذا لم يدع مال آخر فتقيد هذه بتلك، مع أن مدعى منع الإطلاق لها غير مجازف، فإن قوله (عليه السلام): " نعم، في ثمن رقبتها " لم يعلم كونه واردا في مقام البيان عن جميع الجهات، فلعله كان (عليه السلام) بصدد بيان جواز بيع أم الولد في الجملة، أي: كان في مقام أصل التشريع.
وقد ذكرنا في الأصول: أن شرط التمسك بالإطلاق أن لا يكون الحكم في مقام أصل التشريع: كالأوامر الواردة في الكتاب المتعلقة بالماهيات: كقوله عز من قائل: * (أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) * (2). وأن لا يكون واردا مورد حكم آخر:
كقوله سبحانه: * (فكلوا مما أمسكن) * (3)، فإنه مسوق لحلية ما اصطاده الكلب المعلم، فلا يمكن التمسك بإطلاقه للحكم بطهارة محل عضه.
نعم، لو اخترنا ما اختاره المشهور قبل السلطان من أن المطلقات موضوعة للماهية اللابشرط القسمي بأن تكون موضوعة للإطلاق لكان للتمسك بإطلاقها ما لم يعلم تقييدها مجال.