الولاية العامة الثابتة له على قول، أو لكون هذا التصرف من شؤون القضاء الثابت له بلا خلاف؟
وتوضيح ذلك: أن للولاية مراتب ثلاث:
إحداها - وهي المرتبة العليا -: مختصة بالنبي وأوصيائه الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين، وغير قابلة للتفويض إلى أحد، واثنتان منها قابلتان للتفويض.
أما غير القابلة: فهي كونهم (عليهم السلام) أولى بالمؤمنين من أنفسهم بمقتضى الآية الشريفة: * (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) * (1). وهذه المرتبة غير قابلة للسرقة، ولا يمكن أن يتقمص بها من لا يليق بها.
وأما القابلة للتفويض: فقسم يرجع إلى الأمور السياسية التي ترجع إلى نظم البلاد، وانتظام أمور العباد، وسد الثغور، والجهاد مع الأعداء، والدفاع عنهم، ونحو ذلك مما يرجع إلى وظيفة الولاة والأمراء.
وقسم يرجع إلى الإفتاء والقضاء، وكان هذان المنصبان في عصر النبي والأمير صلوات الله عليهما، بل في عصر الخلفاء الثلاثة لطائفتين، وفي كل بلد أو صقع كان الوالي غير القاضي، فصنف كان منصوبا لخصوص القضاء والإفتاء، وصنف كان منصوبا لإجراء الحدود ونظم البلاد والنظر في مصالح المسلمين.
نعم، اتفق إعطاء كلتا الوظيفتين لشخص واحد لأهليته لهما، إلا أن الغالب اختلاف الوالي والقاضي، ولا إشكال في ثبوت منصب القضاء والإفتاء للفقيه في عصر الغيبة، وهكذا ما يكون من توابع القضاء: كأخذ المدعى به من المحكوم عليه، وحبس الغريم المماطل، والتصرف في بعض الأمور الحسبية: كحفظ مال الغائب والصغير ونحو ذلك.
وإنما الإشكال في ثبوت الولاية العامة، وأظهر مصاديقها: سد الثغور ونظم البلاد والجهاد والدفاع، وهنا مصاديق مشكوكة في أنها من منصب القاضي أو الوالي، كإجراء الحدود، وأخذ الزكاة، وإقامة الجمعة، ولإثبات دخولها في أي