في هذا الباب أنفع من الصديق، لأن الصديق ربما يستر العيب ولا يظهره، والعدو مصر على إظهاره، بل ربما يتجاوز إلى البهتان، فإذا أظهر الأعداء عيوبه فليشكر الله على ذلك وليبادر إلى رفعها وقمعها.
ومما ينفع في المقام أن يجعل صور الناس مرايا لعيوبه ويتفقد عيوبهم، وإذا عثر على عيب منهم تأمل في قبحه، ويعلم أن هذا العيب إذا صدر عنه يكون قبيحا ويدرك غيره هذا القبح، فليجتهد في إزالته. وينبغي أن يحاسب نفسه في آخر كل يوم وليلة، ويتفحص عن جميع ما صدر من الأفعال فيهما، فإن لم يصدر عنه شئ من القبائح والذمائم فليحمد الله على حسن تأييده، وإن صدر عنه شئ من ذلك فليعاتب نفسه ويتوب، ويجتهد في ألا يصدر عنه بعد ذلك مثله.
قانون العلاج في الطب الروحاني " تنبيه " قد تبين أن للطلب الروحاني أسوة بالطب الجسماني. والقانون في معالجة الأمراض الجسمانية أن يعرف جنس المرض أولا، ثم الأسباب والعلامات، ثم يبين كيفية العلاج. والعلاج فيه إما كلي يتناول جميع الأمراض، أو جزئي يختص بمرض دون مرض، فكذلك الحال في الطب الروحاني. ونحن نشير إلى ذلك في فصول:
فصل طريق معرفة الأمراض النفسانية الأمراض النفسانية هي انحرافات الأخلاق عن الاعتدال. وطريق معرفتها: أنك قد عرفت أن القوى الإنسانية محصورة في أنواع ثلاثة:
(أحدها) قوة التمييز، (وثانيها) قوة الغضب ويعبر عنها بقوة الدفع، (وثالثها) قوة الشهوة ويعبر عنها بقوة الجذب. وانحراف كل منها إما في الكمية أو في الكيفية، والانحراف في الكمية إما للزيادة من الاعتدال أو للنقصان عنه. والانحراف في الكيفية إنما يكون برداءتها. فأمراض كل قوة إما بحسب الإفراط أو التفريط، أو بحسب رداءة الكيفية.
فالافراط في قوة التمييز: كالجربزة والدهاء، والتجاوز عن حد النظر،