والغضبية، فإن كانت حركاتها على وجه الاعتدال، وكانت الثلاث الأخيرة مطيعة للأولى، واقتصرت من الأفعال على ما تعين لها، حصلت أولا فضائل ثلاث هي الحكمة والعفة والشجاعة، ثم يحصل من حصولها المترتب على تسالم القوى الأربع، وانقهار الثلاث تحت الأولى حالة متشابهة هي كمال القوى الأربع وتمامها، وهي العدالة. وعلى هذا لا تكون العدالة كمالا للقوة العملية فقط، بل تكون كمالا للقوى بأسرها.
وعلى الطريقين تكون أجناس الفضائل أربعا: " الحكمة " وهي معرفة حقائق الموجودات على ما هي عليه والموجودات إن لم يكن وجودها بقدرتنا واختيارنا فالعلم المتعلق بها هو الحكمة العملية. " والعفة " هي انقياد القوة الشهوية للعاقلة فيما تأمرها به وتنهاها عنه حتى تكتسب الحرية، وتتخلص عن أسر عبودية الهوى. " والشجاعة " وهي إطاعة القوة الغضبية للعاقلة في الإقدام على الأمور الهائلة، وعدم اضطرابها بالخوض فيما يقتضيه رأيها حتى يكون فعلها ممدوحا، وصبرها محمودا. وتفسير هذه الفضائل الثلاث لا يتفاوت بالنظر إلى الطريقين.
وأما " العدالة " فتفسيرها على الطريق الأول هو انقياد العقل العملي للقوة العاقلة وتبعيته لها في جميع تصرفاته، أو ضبطه الغضب والشهوة تحت إشارة العقل والشرع الذي يحكم العقل أيضا بوجوب إطاعته، أو سياسة قوتي الغضب والشهوة، وحملها على مقتضى الحكمة، وضبطهما في الاسترسال والانقباض على حسب مقتضاه. وإلى هذا يرجع تعريف الغزالي " إنها حالة للنفس وقوة بها يسوس الغضب والشهوة، ويحملهما على مقتضى الحكمة، ويضبطهما في الاسترسال والانقباض على حسب مقتضاها " إذ المراد من الحالة والقوة هنا قوة الاستعلاء التي للعقل العملي لا نفس القوة العملية.
وتفسيرها على الطريق الثاني هو إئتلاف جميع القوى، واتفاقها على امتثالها للعاقلة، بحيث يرتفع التخالف والتجاذب، وتحصل لكل منها فضيلته المختصة به. ولا ريب في أن اتفاق جميع القوى وائتلافها هو كمال لجميعها لا للقوة العملية فقط.