مثل الله تعالى علماء (اليهود) بالحمار (53)، وبلعلم بن باعوراء بالكلب (54) لعدم عملهم بما علموه. وقال رسول الله (ص): " يكون قوم يقرون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يقولون قد قرأنا القرآن فمن أقرأ منا ومن أعلم منا "، ثم التفت إلى أصحابه فقال: " أولئك منكم أيها الأمة، أولئك هو وقود النار ". وقال (ص): " إن أهل النار ليتأذون من ريح العالم التارك لعلمه، وإن أشد أهل النار ندامة وحسرة رجل دعا عبدا إلى الله فاستجاب له وقبل منه، فأطاع الله فأدخله الله الجنة، وأدخل الداعي النار بتركه علمه واتباعه الهوى وطول الأمل " وقال روح الله (ع): " ويل لعلماء السوء (55) كيف تتلظى عليهم النار ". وقال الصادق عليه السلام:
" يغفر للجاهل سبعون ذنبا قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد ".
ولا ريب في أن كل عالم يأمر الناس بالتواضع وذل النفس وانكسارها، وينهاهم عن العجب والكبر، وهو معجب متكبر، يكن من علماء السوء وممن لم يعمل بعلمه، فيكون داخلا تحت هذه الأخبار. وأي عالم يتصور في أمثال هذه الأزمنة أن يجزم بأنه عمل بجميع ما علم وأمر به، ولم يضع شيئا من أوامر ربه من الجنايات الظاهرة والذنوب الباطنة، كالرياء والحسد والعجب والنفاق وغير ذلك؟ وكيف يمكنه القطع بأنه امتثل ما أمر به من التكاليف العامة والخاصة به؟ فخطره أعظم من خطر غيره، كيف وقد روي:
" إن حذيفة صلى بقوم، فلما سلم قال: لتلتمسن إماما غيري أو لتصلن وحدانا، فإني رأيت في نفسي أنه ليس في القوم أفضل مني ". فإذا كان مثله لا يسلم، فكيف يسلم الضعفاء، من متأخري هذه الأمة، فما أعز على بسيط الأرض في هذه الأعصار علماء الآخرة الذين أقبلوا على شأنهم،