الكلب والخنزير أحسن وأطيب ممن عصى ربه القهار ويعذب في النار، إذ أولهما وآخرهما التراب، وهو بمعزل عن العقاب والعذاب، والكلب والخنزير لا يهرب منهما الخلق، ولو رأى أهل الدنيا من يعذب في النار لصعقوا من وحشة خلقته وقبح صورته. ولو وجدوا ريحه لماتوا من نتنه، ولو وقعت قطرة من شرابه الذي يسقاه في بحار الدنيا صارت أنتن من الجيفة المنتنة.
فما لمن هذه حاله والعجب واستعظام نفسه! وما أغفله من التدبر في أحوال يومه وأمسه! ولو لم يدركه العذاب ولم يؤمر به النار فإنما ذلك للعفو، لأنه ما من عبد إلا وقد أذنب ذنبا، وكل من أذنب ذنبا استحق عقوبة، فلو لم يعاقب فإنما ذلك للعفو. ولا ريب في أن العفو ليس يقينا بل هو مشكوك فيه، فمن استحق عقوبة ولا يدري أيعفى عنها أم لا، يجب أن يكون أبدا محزونا خائفا ذليلا، فكيف يستعظم نفسه ويلحقه العجب، ألا ترى أن من جنى على بعض الملوك بما استحق به ألف سوط مثلا، فأخذ وحبس في السجن. وهو منتظر أن يخرج إلى العرض وتقام عليه العقوبة على ملأ من الخلق، وليس يدري أيعفى عنه أم لا، كيف يكون ذله في السجن؟ أفترى إنه مع هذه الحالة يكون معجبا بنفسه؟! ولا أظنك أن تظن ذلك. فما من عبد مذنب، ولو أذنب ذنبا واحدا، إلا وقد استحق عقوبة من الله، والدنيا سجنه، ولا يدري كيف يكون أمره، فيكفيه ذلك خوفا ومهانة وذلة. فلا يجوز له أن يعجب ويستعظم نفسه.
هذا هو العلاج الإجمالي للعجب.
وأما التفصيلي - فهو أن يقطع أسبابه - أعني ما به العجب - وهي العلم، والمعرفة، والعبادة، والطاعة، وغير ذلك من الكمالات النفسية، كالورع، والشجاعة، والسخاوة، والنسب، والحسب، والجمال، والمال والقوة، والبطش، والجاه، والاقتدار، وكثرة الأعوان والأنصار، والكياسة، والتفطن لدقائق الأمور، والرأي الخطأ.
أما (العجب بالعلم): فعلاجه أن يعلم أن العالم الحقيقي هو الذي يعرف نفسه وخطر الخاتمة، وإن من تليق به العظمة والعزة والكبرياء هو الله