سبحانه، وما عداه هالك الهوية والذات فاقد الكمال والصفات. وهذا العلم يزيد الخوف والذلة والمهانة والمسكنة، والاعتراف بالقصور والتقصير في أداء حقوق الله، والشكر بإزاء نعمه، ولذا قيل: " من ازداد علما ازداد وجعا ". فالعلم الذي لا يوجب ذلك ويورث العجب، إما ليس علما حقيقيا بل هو من العلوم الدنيوية التي ينبغي أن تسمى صناعات لا علوم، إذ صاحبه خاض فيه وهو خبيث النفس ردئ الأخلاق لم يهذب نفسه أولا ولم يزكها بالمجاهدات ولم يرضها في عبادة ربه، فيبقى خبيث الجوهر، فإذا خاض في العلم وإن كان علما حقيقيا صادف من قلبه منزلا خبيثا، فلم يطب ثمره ولم يظهر في الخبر أثره، فإن العلم مثله مثل الغيث ينزل من السماء عذبا صافيا، فإذا شربته الأشجار والنباتات ازداد المر مرارة والحلو حلاوة كذلك العلم إذا صادف القلوب ازداد القلب المظلم الخبيث ظلمة وخباثة.
والطيب الصافي طيبا وصفاء.
وإذا علم ذلك، يعرف أنه لا ينبغي العجب بالعلم، ويجب أيضا أن يعلم أنه إذا أعجب بنفسه صار ممقوتا عند الله مبغوضا لديه، لما تقدم من الأخبار، وقد أحب الله منه الذلة والحقارة عند نفسه. وقال بواسطة سفرائه " إن لك عندي قدرا ما لم تر لنفسك قدرا، فإن رأيت لنفسك قدرا فلا قدر لك عندي " (52). وقال: " صغروا أنفسكم ليعظم عندي محلكم ".
فلا بد أن يكلف نفسه ما يحب مولاه، وأن يعلم أن حجة الله على أهل العلم أوكد، وإنه يتحمل من الجاهل ما لا يتحمل عشره من العالم، لأن العالم إذا زل زل بزلته كثير من الناس، ولأن من عصى الله عن علم ومعرفة كانت جنايته أفحش، إذ لم يقض حق نعمة الله عليه في العلم، ولذلك قال رسول الله (ص): " يؤتى بالعالم يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق أقتابه فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيطيف به أهل النار، فيقولون: ما لك؟ فيقول: كنت آمر بالخير ولا آتيه وأنهى عن الشر وآتيه "، وقد