إليه في سلسلة الصدور، فتكون شديدة الشوق إلى الإنصاف بنحو كماله.
والنفس الإنسانية لكونها منها ومن عالم الأمر - كما قال الله تعالى -:
" قال الروح من أمر ربي " (11).
تكون مثلها في القرب إليه تعالى أو في المناسبة له، فلها غاية الشوق في الاتصاف بصفاته وكمالاته التي من جملتها الغلبة والاستعلاء، وليس ذلك مذموما، إذ ينبغي لكل عبد أن يطلب ملكا عظيما لا آخر له، وسعادة دائمية لا نفاد لها، وبقاء لا فناء فيه، وعزا لا ذل معه، وأمنا لا خوف فيه، وغنى لا فقر معه، وكمالا لا نقصان فيه. وهذه كلها من أوصاف الربوبية وطالبها طالب للعلو والعز والكمال لا محالة.
فالمذموم من الرئاسة والاستيلاء إنما هو الغلط الذي وقع للنفس بسبب تغرير المعين المبعد عن عالم الأمر، إذ حسدها على كونها من عالم الأمر، فأضلها وأغواها من طريق العجلة، فزين في نظره الملك الفاني المشوب بأنواع الآلام، لكونه عاجلا، وصده عن الملك المخلد الدائم الذي لا يشوبه كدر ولا يقطعه قاطع، لكونه آجلا. والمسكين المخذول ابن آدم لما خلق عجولا راغبا في العاجلة، لما جاءه المطرود من عالم الأمر، وتوسل إليه بواسطة العجلة التي في طبعه، واستغواه بالعاجلة، وأمال قلبه إلى عدم الاعتناء بالآجلة، وزين له الحاضرة، ووعده بالغرور وبالتمني على الله في باب الآخرة، فانخدع بغروره واشتغل بطلب ملك الدنيا ومزخرفاتها مع فنائها، وترك سلطنة الآخرة مع بقائها، ولم يتأمل المسكين في أن ملك الدنيا ورئاستها ليس كمالا ولا علوا واستيلاء في الحقيقة، بل هو صفة نقض يصده عن الكمال الحقيقي والرئاسة المعنوية. مثال ذلك: أنه لا ريب في أن الحب والعشق صفة كمال، ولكن إذا وقع في موقعه، وذلك إذا كان المحبوب شريفا كاملا في ذاته وصفاته، فحب الله سبحانه أشرف الصفات الكمالية، وحب الجمادات وخسائس الحيوانات أخس الرذائل النفسية، فكل من كان جاهلا بحقائق الأمور ينخدع بغروره، ويختار الملك العاجل الفاني على