مكانكم. فطار حتى جاء خافقي الأرض، فلم يجد شيئا، ثم وجد عيسى عليه السلام قد ولد، وإذا الملائكة قد حفت حوله، فرجع إليهم، فقال:
إن نبيا قد ولد البارحة. ما حملت أنثى قط ولا وضعت إلا وأنا بحضرتها، إلا هذا، فايأسوا أن تعبد الأصنام بعد هذه الليلة، ولكن ائتوا بني آدم من قبل العجلة والخفة ".
والظواهر في ذم العجلة أكثر من أن تحصى، ولذلك أفتى بعض علماء العامة بالمنع من التعجيل لمن خاف فوت صلاة الجمعة. والسر في شدة ذمها:
أن الأعمال ينبغي أن تكون بعد المعرفة والبصيرة، وهما موقوفان على التأمل والمهلة، والعجلة تمنع من ذلك، فمن يستعجل في أمر يلقي الشيطان شره عليه من حيث لا يدري. والتجربة شاهدة بأن كل أمر يصدر على العجلة يوجب الندامة والخسران، وكل ما يصدر على التأني والتثبت لا تعرض بعده ندامة، بل يكون مرضيا، وبأن كل خفيف عجول ساقط عن العيون ولا وقع له عند القلوب. والمتأمل في الأمور يعلم أن العجلة هو السبب الأعظم لتبديل نعيم الآخرة وملك الأبد بخسائس الدنيا ومزخرفاتها.
وبيان ذلك: أنه لا ريب في أن أحب اللذات وألذها للنفس هو الغلبة والاستيلاء، لأنها من صفات الربوبية التي هي مطلوبة بالطبع للنفوس المجردة والسر فيه: أن كل معلول من سنخ علته، ويناسبها في صفاتها وآثارها، وغاية ابتهاجه أن يتصف بمثل كمالاتها، ولذا قيل: " كل ما يصدر عن شئ لا يمكن أن يكون من جميع الجهات هو هو، ولا أن يكون من جميع الجهات ليس هو، بل من جهة هو هو ومن جهة ليس هو ".
وهذا معنى كلام قدماء الحكمة: (الممكن زوج تركيبي). ولا ريب في أن جميع الموجودات معلولة للواجب سبحانه، صادرة عن محض وجوده ومترشحة عن فيضه وجوده، فهو غاية الكل والكل طالبة نحو كمالاته، إلا أن ما هو في سلسلة الصدور إليه أقرب والواسطة بينهما أقل، تكون مناسبة له أتم وشوقه إلى الاتصاف بكماله أشد. ولا ريب في أن الذوات المجردة النورية التي هي من عالم الأمر مقتبسة من مشكاة نوره، فلها غاية القرب