" إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة " (5).
فلا يجوز تصديق اللعين في نبأه، وإن حف بقرائن الفساد، ما احتمل التأويل والخلاف فلو رأيت عالما في بيت أمير ظالم لا تظنن أن الباعث طلب الحطام المحرمة، لاحتمال كون الباعث إغاثة مظلوم. ولو وجدت رائحة الخمر في فم مسلم فلا تجز من بشرب الخمر ووجوب الحد، إذ يمكن أنه تمضمض بالخمر ومجه وما شربه، أو شربه إكراها وقهرا. فلا يستباح سوء الظن إلا بما يستباح به المال، وهو صريح المشاهدة، أو قيام بينة فاضلة.
ولو أخبرك عدل واحد بسوء من مسلم، وجب عليك أن تتوقف في إخباره من غير تصديق ولا تكذيب، إذ لو كذبته لكنت خائنا على هذا العدل إذ ظننت به الكذب، وذلك أيضا من سوء الظن، وكذا إن ظننت به العداوة أو الحسد أو المقت لتتطرق لأجله التهمة، فترد شهادته، ولو صدقته لكنت خائنا على المسلم المخبر عنه، إذ ظننت به السوء، مع احتمال كون العدل المخبر ساهيا، أو التباس الأمر عليه بحيث لا يكون في إخباره بخلاف الواقع آثما وفاسقا. وبالجملة: لا ينبغي أن تحسن الظن بالواحد وتسئ بالآخر، فتذكر المذكور حاله على ما كان في الستر والحجاب، إذ لم ينكشف لك حاله بأحد القواطع، ولا بحجة شرعية يجب قبولها، وتحمل خبر العدل على إمكان تطرق شبهة مجوزة للإخبار، وإن لم يكن مطابقا للواقع.
ثم المراد بسوء الظن هو عقد القلب وميل النفس دون مجرد الخواطر وحديث النفس، بل الشك أيضا، إذ المنهي عنه في الآيات والأخبار إنما هو أن يظن، والظن هو الطرف الراجح الموجب لميل النفس إليه. والأمارات التي بها يمتاز العقد عن مجرد الخواطر وحديث النفس، هو أن يتغير القلب منه عما كان من الألف والمحبة إلى الكراهة والنفرة، والجوارح عما كانت عليه من الأفعال اللازمة في المعاشرات إلى خلافها. والدليل على أن المراد هو ما ذكر، قوله (ص): " ثلاث في المؤمن لا تستحسن وله منهن مخرج فمخرجه من سوء الظن ألا يحققه " أي لا يحقق في نفسه بعقد ولا فعل، لا في القلب ولا في الجوارح.