ثم لكون سوء الظن من المهلكات، منع الشرع من التعرض للتهمة، صيانة لنفوس الناس عنه، فقال (ص) " اتقوا مواقع التهم "، وقال أمير المؤمنين عليه السلام: " من عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من أساء به الظن ".
وروي: " أنه (ص) كان يكلم زوجته صفية بنت حي ابن أخطب، فمر به رجل من الأنصار، فدعاه رسول الله، وقال، يا فلان! هذه زوجتي صفية.
فقال: يا رسول الله! أفنظن بك إلا خيرا؟ قال: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فخشيت أن يدخل عليك ". فانظر كيف أشفق رسول الله (ص) على دينه فحرسه، وكيف علم الأمة طريق الاحتراز عن التهمة، حتى لا يظن العالم الورع المعروف بالتقوى والدين أن الناس لا يظنون به إلا خيرا، إعجابا منه بنفسه، فإن ما لا جزم بتحققه في حق سيد الرسل وأشرفهم، فكيف يجزم بتحققه في حق غيره، وإن بلغ من العلم والورع ما بلغ. والسر في ذلك: أن أورع الناس وأفضلهم لا ينظر الناس كلهم إليه بعين واحدة، بل إن نظر إليه بعضهم بعين الرضا ينظر إليه بعض آخر بعين السخط:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة * ولكن السخط تبدي المساويا فكل عدو وحاسد لا ينظر إلا بعين السخط، فيكتم المحاسن ويطلب المساوئ، وكل شرير لا يظن بالناس كلهم إلا شرا، وكل معيوب مفتضح عند الناس يحب أن يفتضح غيره وتظهر عيوبه عندهم، لأن البلية إذا عمت هانت، ولأن يشتغل الناس به فلا تطول ألسنتهم فيه. فاللازم لكل مؤمن ألا يتعرض لموضع التهمة حتى يوقع الناس في المعصية بسوء الظن، فيكون شريكا في معصيتهم، إذ كل من كان سببا لمعصية غيره يكون شريكا له في هذه العصية. ولذا قال الله تعالى:
" ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم " (6).
وقال رسول الله (ص): " كيف ترون من يسب أبويه؟ فقالوا: هل من أحد بسب أبويه؟ فقال: نعم! يسب أبوي غيره فيسبون أبويه ".
ثم طريق المعالجة في إزالته - بعد تذكر ما تقدم من فساده وما يأتي من فضيلة ضده -: أنه إذا خطر لك خاطر سوء على مسلم: لا تتبعه،