وقيل: من أنس بالله، وملك الحق قلبه، وبلغ مقام الرضا، وصار مشاهدا لجمال الحق: لم يبق له الخوف، بل يتبدل خوفه بالأمن، كما يدل عليه قوله سبحانه:
" أولئك لهم الأمن وهم مهتدون " (97).
إذ لا يبقى له التفات إلى المستقبل، ولا كراهية عن مكروه، ولا رغبة إلى محبوب، فلا يبقى له خوف ولا رجاء، بل صار حاله أعلى منها. نعم، لا يخلو عن الخشية - أي الرهبة من الله ومن عظمته وهيبته - وإذا صار متجليا بنظر الوحدة لم يبق فيه أثر من الخشية أيضا. لأنه من لوازم التكثر وقد زال. ولذا قيل: " الخوف حجاب بين الله وبين العبد ". وقيل أيضا:
" إذا ظهر الحق على السرائر لا يبقى فيها محل لخوف ولا رجاء ". وقيل أيضا: " المحب إذا شغل قلبه في مشاهدة المحبوب بخوف الفراق كان ذلك نقصا في دوام الشهود الذي هو غاية المقامات ".
وأنت خبير بأن هذه الأقوال مما لا التفات لنا إليها، فلنرجع إلى ما كنا بصدده من بيان فضيلة الخوف. فنقول: الآيات والأخبار الدالة عليه أكثر من أن تحصى، وقد جمع الله للخائفين العلم والهدى والرحمة والرضوان، وهي مجامع مقامات أهل الجنان، فقال:
" إنما يخشى الله من عباده العلماء " (98). وقال: " هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون " (99). وقال: " رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه " (100).
وكثير من الآيات مصرحة يكون الخوف من لوازم الإيمان، كقوله تعالى:
" إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم " (101).
وقوله: " وخافون إن كنتم مؤمنين " (102).
ومدح الخائفين بالتذكر في قوله: