ضده الذي هو الخاطر المحمود، ليبعثه على المواظبة عليه الموجبة لدفع الوساوس. وفضيلة الخواطر المحمودة الباعثة عن الأفعال الجميلة يأتي ذكرها في باب النية، وربما يعلم من بيان فضيلة نفس هذه الأفعال أيضا كما يأتي ذكرها في باب النية، وفضيلة الذكر القلبي يعلم في باب مطلق الذكر.
أما بيان شرافة التفكر وبعض مجاريه من أفعال الله تعالى والإشارة إلى كيفية التفكر فيها وفيما يقرب العبد إلى الله تعالى وفيما يبعده عنه، فلنشر إلى مجمل منه هنا لتعلقه بالقوة النظرية، فنقول:
التفكر: هو سير الباطن من المبادئ إلى المقاصد، والمبادئ: هي آيات الآفاق والأنفس، والمقصد: هو الوصول إلى معرفة موجدها ومبدعها والعلم بقدرته القاهرة وعظمته الباهرة، ولا يمكن لأحد أن يترقى من حضيض النقصان إلى أوج الكمال إلا بهذا السير، وهو مفتاح الأسرار ومشكاة الأنوار، ومنشأة الاعتبار ومبدأ الاستبصار، وشبكة المعارف الحقيقية ومصيدة الحقائق اليقينية، وهو أجنحة النفس للطيران إلى وكرها القدسي، ومطية الروح للمسافرة إلى وطنها الأصلي، وبه تنكشف ظلمة الجهل وأستاره وتنجلي أنوار العلم وأسراره، ولذا ورد عليه الحث والمدح في الآيات والأخبار كقوله سبحانه:
أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق (64).
وقوله تعالى:
" أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شئ " (65).
وقوله تعالى:
" فاعتبروا يا أولي الأبصار " (66).
وقوله تعالى:
" قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق " (67).