تخمد أنواره بالكلية، ولا يخطر فيها خاطر خير أبدا، وتكون دائما محل الوساوس الشيطانية، ومثلها لا يرجع إلى الخير أبدا، وعلامتها عدم تأثرها من النصائح والمواعظ، ولو أسمعت الحق عميت عن الفهم وصمت عن السمع، وإلى مثلها أشير بقوله سبحانه:
" أرأيت من اتخذا إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا " (53).
ويقوله تعالى:
" ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة " (54).
وبقوله سبحانه:
" إن هم إلا كالانعام بل هم أضل سبيلا " (55).
وبقوله تعالى:
" وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون " (56).
وبقوله عز وجل:
" لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون " (57).
وبين هاتين النفسين نفس متوسطة في السعادة والشقاوة، ولها مراتب مختلفة في اتصافها بالفضائل والرذائل بحسب الكم والكيف والزمان، فيختلف فيها فتح أبواب الملائكة والشياطين بالجهات المذكورة، فتارة يبتدئ فيها خاطر الهوى فيدعوها إلى الشر، وتارة يبتدئ فيها خاطر الإيمان فيبعثها على الخير، ومثلها معركة تطارد جندي الشياطين والملائكة وتجاذبهما، فتارة يصول الملك على الشيطان فيطرده، وتارة يحمل الشيطان على الملك فيغلبه، ولا تزال متجاذبة بين الحزبين مترددة بين الجندين، إلى أن تصل إلى ما خلقت لأجله لسابق القضاء والقدر. ثم النفس الأولى في غاية الندرة، وهي نفوس الكمل من المؤمنين الموحدين، والثانية في نهاية الكثرة وهي نفوس الكفار بأسرهم، والثالثة نفوس أكثر المسلمين، ولها مراتب شتى ودرجات لا تحصى ولها عرض عريض، فيتصل أحد طرفيه بالنفس الأولى، وآخرهما بالثانية.