ثم إن المكلفين مختلفون في كيفية التصديق والاذعان بالعقائد المذكورة، فبعضهم فيها على يقين مثل ضوء الشمس، بحيث لو كشف عنهم الغطاء ما ازدادوا يقينا (18)، وبعضهم على يقين دون ذلك، وأقل هؤلاء رتبة أن تصل مرتبة يقينهم إلى طمأنينة لا اضطراب فيها، وبعضهم على مجرد تصديق ظني يتزلزل من الشبهات وإلقاء النقيض، وإلى هذا الاختلاف أشار الإمام محمد بن علي الباقر - عليهما السلام - بقوله: " إن المؤمنين على منازل: منهم على واحدة، ومنهم على اثنتين، ومنهم على ثلاث، ومنهم على أربع، ومنهم على خمس، ومنهم على ست، ومنهم على سبع، فلو ذهبت تحمل على صاحب الواحدة ثنتين لم يقو، وعلى صاحب الثنتين ثلاثا لم يقو.. إلى آخره " (19). والإمام أبو عبد الله الصادق عليه السلام بقوله: " إن للإيمان حالات ودرجات وطبقات ومنازل، فمنه التام المنتهي تمامه، ومنه الناقص البين نقصانه، ومنه الراجح الزائد رجحانه ".
ولا ريب في أن تحصيل ما يطمئن به القلب في العقائد الواجبة أخذها مما لا بد منه لكل مكلف، ومجرد التصديق من غير اطمئنان القلب غير كاف للنجاة في الأخرى والوصول إلى مراتب المؤمنين. ومع حصول الاطمئنان تحصل النجاة والفوز بالفلاح، وإن لم يكن حصوله من تفاصيل البراهين الحكمية والدلائل الكلامية، بل كان حاصلا من دليل إجمالي برهاني أو اقناعي، إذ الشرع الشريف لم يكلف بأكثر من التصديق والجزم بظاهر العقائد المذكورة، ولم يكلف البحث والتفتيش عن كيفياتها وحقائقها وعن تكلف ترتيب الأدلة في نظمها، فلو حصل لأحد طمأنينة في اتصاف الواجب بجميع الصفات الكمالية وبراءته عن الصفات السلبية، بمجرد أن عدم الاتصاف بالأولى والاتصاف بالثانية نقص لا يليق بذاته الأقدس، كان كافيا في النجاة والدخول في زمرة المؤمنين. وكذا إذا حصل له ذلك بمجرد أن هذا مما