الأخروية، ولم يكن باعثه شيئا من المراء والمجادلة، والمباهاة والمفاخرة، والوصول إلى جاه ومال، أو التفوق على الأقران والأمثال. قال الباقر عليه السلام: " من طلب العلم ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء أو يصرف به وجوه الناس فليتبوأ مقعده من النار، إن الرئاسة لا تصلح إلا لأهلها ". وقال الصادق (ع): " طلبة العلم ثلاثة، فأعرفهم بأعيانهم وصفاتهم: صنف يطلبه للجهل (10) والمراء، وصنف يطلبه للاستطالة والختل، وصنف يطلبه للفقه والعقل. فصاحب الجهل والمراء مؤذ ممار، متعرض للمقال في أندية الرجال بتذاكر العلم وصفة الحلم، وقد تسر بل بالخشوع وتخلى من الورع، فدق الله من هذا خيشومه وقطع منه حيزومه. وصاحب الاستطالة والختل ذو خب وملق، يستطيل على مثله من أشباهه، ويتواضع للأغنياء من دونه، فهو لحلوانهم (11) هاضم ولدينه حاطم، فأعمى الله على هذا خبره وقطع من آثار العلماء أثره. وصاحب الفقه والعقل ذو كآبة وحزن وسهر، قد تحنك في برنسه وقام الليل في حندسه، يعمل ويخشى وجلا داعيا مشفقا مقيلا على شأنه عارفا بأهل زمانه مستوحشا من أوثق أخوانه، فشد الله من هذا أركانه وأعطاه يوم القيامة أمانه ".
(ومنها) أن يعمل بما يفهم ويعلم، فإن من عمل بما يعلم ورثه الله ما لم يعلم. وقال الصادق (ع): " العلم مقرون إلى العمل، من علم عمل، ومن عمل علم، والعلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل عنه ". وعن السجاد (ع): " مكتوب في الإنجيل: لا تطلبوا علم ما لا تعملون ولما تعملوا بما علمتم، فإن العلم إذا لم يعمل به لم يزدد صاحبه إلا كفرا ولم يزدده من الله إلا بعدا ". وعن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: " من أخذ العلم من أهله وعمل بعلمه نجا، ومن أراد به الدنيا فهي حظه ". وعنه