والمبالغة في التنقير (3)، والتوقف في غير موضعه للشبه الواهية، والحكم على المجردات بقوة الوهم. وأعمال الذهن في إدراك ما لا يمكن دركه، والتفريط فيه كالبلاهة، وقصور النظر عن درك مقدار الواجب، كإجراء أحكام المحسوسات على المجردات. والرداءة كالسفسطة في الاعتقاد، والميل إلى العلوم الغير اليقينية - كعلم الجدل والخلاف - أزيد مما يميل إلى اليقينيات، واستعمالهما في مقام اليقينيات، والشوق إلى علم الكهانة والشعبذة وأمثالهما للوصول إلى الشهوات الخسيسة.
وأما الإفراط في قوة الدفع: كشدة الغضب والغيظ وفرط الانتقام بحيث يتشبه بالسباع. وأما التفريط: كعدم الغيرة والحمية والتشبه بالأطفال والنسوان في الأخلاق والصفات. وأما الرداءة فيها: كالغيظ على الجمادات والبهائم أو على الناس لا بسبب موجب للانتقام.
وأما الإفراط في قوة الجذب: فكالحرص على الأكل والجماع أزيد من قدر الضرورة. والتفريط فيه: فكالفتور عن تحصيل الأقوات الضرورية وتضييع العيال والخمود عن الشهوة حتى ينقطع عنه النسل. أما الرداءة فيها: كشهوة الطين والميل إلى مقاربة الذكور.
ثم إنك قد عرفت أن أجناس الفضائل أربعة، فأجناس الرذائل بحسب الكمية ثمانية، لكل فضيلة ضدان كل منهما ضد للآخر، وبحسب الكيفية أربعة، ويحصل من تركيبها وامتزاجها أنواع وأصناف لا يعد كثرة، كما عرفت أكثرها.
فصل أسباب الأمراض النفسانية إعلم أن أسباب الانحراف في الأخلاق، إما نفسية حاصلة في النفس في بدو فطرتها، أو حادثة من مزاولتها للأعمال الردية، أو جسمية - وهي الأمراض الموجبة لبعض الملكات الردية - والسر في ذلك أن النفس لما كانت متعلقة بالبدن علاقة ارتباطية، فيتأثر كل منهما بتأثر الآخر، وكل كيفية تحدث في أحدهما تسري في الآخر، كما أن غضب النفس أو تعشقها يوجب اضطراب البدن وارتعاشه، وتأثر البدن بالأمراض، (لا) سيما إذا حدثت