فأعجبه ما رأى من فعاله فجعل يقول:
أطعن بها (1) طعن أبيك تحمد * لا خير في الحرب إذا لم توقد (2) قال: فقاتل محمد ابن الحنفية ساعة بالراية ثم رجع، وضرب علي رضي الله عنه بيده إلى سيفه فاستله ثم حمل على القوم، فضرب فيهم يمينا وشمالا ثم رجع وقد انحنى سيفه، فجعل يسويه بركبته فقال له أصحابه: نحن نكفيك ذلك يا أمير المؤمنين! فلم يجب أحدا حتى سواه ثم حمل ثانية حتى اختلط بهم، فجعل يضرب فيهم قدما قدما حتى انحنى سيفه. ثم رجع إلى أصحابه، ووقف يسوي السيف بركبته وهو يقول: والله ما أريد بذلك إلا وجه الله والدار الآخرة! ثم التفت إلى ابنه محمد ابن الحنفية وقال: هكذا اصنع يا بني!
قال: ثم حملت ميمنة أهل البصرة على ميسرة أهل الكوفة فكشفوهم إلا قليلا منهم، وحملت ميمنة أهل الكوفة على ميسرة أهل البصرة فأزالوهم عن مواقفهم، وثبت الناس بعضهم لبعض فاقتتلوا ساعة من النهار، وتقدم مخنف بن سليم الأزدي من أصحاب علي فجعل يرتجز ويقول أبياتا مطلعها:
قد عشت يا نقس وقد غنيت (3) * دهرا (4) وقبل اليوم ما عييت إلى آخرها.
قال: ثم حمل فقاتل قتالا شديدا ورجع مجروحا، ثم تقدم أخوه الصعب بن سليم فقاتل حتى قتل رحمه الله. ثم خرج أخوه الثالث عبيد الله بن سليم فقتل. ثم تقدم زيد بن صوحان العبدي من أصحاب علي فقاتل حتى قتل، فأخذ الراية أخوه صعصعة فقاتل فجرح، وأخذ الراية أبو عبيدة العبدي (5) وكان من خيار أصحاب علي فقاتل فقتل، فأخذ الراية عبد الله بن الرقية (6) فقتل، فأخذها رشيد بن سمي فقتل.