ونحن بالمسجد الحرام. قال: فقمنا فأتينا ابن عباس، فوجدناه جالسا قد وضع له الخوان، وعنده نفر. فقلنا: أما علمت بهذا الخبر يا بن عباس؟ قال: وما هو؟
قلنا: هلك معاوية. فقال: ارفع الخوان يا غلام، وسكت ساعة، ثم قال: جبل تزعزع ثم مال بكلكلة، أما والله ما كان كمن كان قبله، ولما يكن بعده مثله.
اللهم أنت أوسع لمعاوية فينا وفي بني عمنا هؤلاء لذي لب معتبر، اشتجرنا بيننا، فقتل صاحبهم غيرنا، وقتل صاحبنا غيرهم، وما أغراهم بنا إلا أنهم لا يجدون مثلنا، وما أغرانا بهم إلا أنا لا نجد مثلهم، كما قال القائل: ما لك تظلمني؟ قال: لا أجد من أظلم غيرك. ووالله إن ابنه لخير أهله، أعد طعامك يا غلام. قال: فما رفع الخوان حتى جاء رسول خالد بن الحكم إلى ابن عباس، أن انطلق فبايع. فقال للرسول: اقرئ الأمير السلام، وقل له: والله ما بقي في ما تخافون، فاقض من أمرك ما أنت قاض، فإذا سهل الممشى وذهبت حطمة الناس (1)، جئتك ففعلت ما أحببت. قال: ثم أقبل علينا فقال: مهلا معشر قريش، أن تقولوا عند موت معاوية: ذهب جد بني معاوية، وانقطع ملكهم، ذهب لعمر الله جدهم، وبقي ملكهم وشرها بقية هي أطول مما مضى، إلزموا مجالسكم وأعطوا بيعتكم. قال: فما برحنا حتى جاء رسول خالد فقال: يقول لك الأمير: لا بد لك أن تأتينا. قال: فإن كان لا بد، فلا بد مما لا بد منه، يا نوار هلمي ثيابي، ثم قال: وما ينفعكم إتيان رجل إن جلس لم يضركم؟ قال:
فقلت له: أتبايع ليزيد، وهو يشرب الخمر، ويلهو بالقيان، ويستهتر بالفواحش؟
قال: مه: فأين ما قلت لكم؟ وكم بعده من آت ممن يشرب الخمر، أو هو شر من شاربها، أنتم إلى بيعته سراع؟ أما والله إني لأنهاكم، وأنا أعلم أنكم فاعلون ما أنتم فاعلون، حتى يصلب مصلوب قريش بمكة، يعني عبد الله بن الزبير.
كتاب يزيد بالبيعة إلى أهل المدينة قال: وذكروا أن نافع بن جبير قال: إني بالشام يوم موت معاوية، وكان