واستعنت بالله عليك، وقد أكثرت الكلام في قتلة عثمان، فادخل في الطاعة، ثم حاكم القوم إلي أحملك وإياهم على كتاب الله، فأما تلك التي تريدها فهي خدعة الصبي عن اللبن، ولعمري لئن نظرت بعقلك دون هواك، لتجدني أبرأ الناس من دم عثمان، واعلم يا معاوية أنك من الطلقاء، الذين لا تحل لهم الخلافة، ولا تعقد معهم الإمامة، ولا تعرض فيهم الشورى، وقد بعثت إليك وإلى من قبلك جرير بن عبد الله، وهو من أهل الإيمان والهجرة السابقة، فبايع، ولا قوة إلا بالله.
قدوم جرير إلى معاوية قال: وذكروا أن جريرا لما قدم على معاوية بكتاب علي، قام جرير بالشام خطيبا، فقال: أيها الناس، إن أمر عثمان قد أعيا من شهده، فما ظنكم بمن غاب عنه، وإن الناس بايعوا عليا، وإن طلحة والزبير كانا ممن بايع، ثم نقضا بيعته، ألا وإن هذا الدين لا يحتمل الفتن، ألا وإن هذا الدين لا يحتمل السيف. وقد كانت بالبصرة أمس روعة ملمة، إن يشفع البلاء بمثلها فلا بقاء للناس، وقد بايعت العامة عليا، ولو ملكنا أمرنا لم نختر لها غيره، فمن خالف هذا فقد استعتب فادخل يا معاوية فيما دخل الناس فيه، فإن قلت: إن عثمان ولاني ولم يعزلني، فإن هذا لو كان لم يقم لله دين، وكان لكل امرئ ما هو فيه.
إشارة الناس على علي بالمقام بالكوفة قال: وذكروا أن عليا استشار الناس، فأشاروا عليه بالمقام بالكوفة عامه ذلك، غير الأشتر النخعي، وعدي بن حاتم، وشريح بن هانئ (1)، فإنهم قاموا إلى علي، فتكلموا بلسان واحد، فقالوا: إن الذين أشاروا عليك بالمقام، إنما خوفوك بحرب الشام، وليس في حربهم شئ أخوف من الموت ونحن نريده.
فقال لهم: إن استعدادي لحرب أهل الشام، وجرير عندهم إغلاق للشام، وصرف لأهله عن خير إن أرادوه، ولكني قد وقت له وقتا لا يقيم بعده إلا أن