الالمام به والدخول عليه، والنظر إلى وجهه الكريم وأداء حقه، والتسليم عليه، ثم أستقبل بعد إن شاء الله ما جئت له، وبعثت إليه، فقصد حتى أتى الحسين، فلما رآه الحسين قام إليه فصافحه إجلالا له، ومعرفته لمكانه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وموضعه من الإسلام. ثم قال الحسين: مرحبا بصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجليسه، يا أبا الدرداء، أحدثت لي رؤيتك شوقا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأوقدت مطلقات أحزاني عليه، فإني لم أر منذ فارقته أحدا كان له جليسا، وإليه حبيبا، إلا هملت عيناي، وأحرقت كبدي أسى عليه، وصبابة إليه. ففاضت عينا أبي الدرداء لذكر رسول الله، وقال: جزى الله لبانة أقدمتنا عليك، وجمعتنا بك خيرا. فقال الحسين: والله إني لذو حرص عليك، ولقد كنت بالاشتياق إليك. فقال أبو الدرداء: وجهني معاوية خاطبا على ابنه يزيد أرينب بنت إسحاق، فرأيت أن لا أبدأ بشئ قبل إحداث العهد بك، والتسليم عليك. فشكر له الحسين ذلك، وأثنى عليه وقال: لقد كنت ذكرت نكاحها، وأردت الارسال إليها بعد انقضاء أقرائها، فلم يمنعني من ذلك إلا تخيير مثلك، فقد أتى الله بك، فاخطب رحمك الله علي وعليه، فلتختر من اختاره الله لها وإنها أمانة في عنقك حتى تؤديها إليها، وأعطها من المهر مثل ما بذل لها معاوية عن ابنه. فقال أبو الدرداء: أفعل إن شاء الله، فلما دخل عليها قال لها: أيتها المرأة إن الله خلق الأمور بقدرته، وكونها بعزته، فجعل لكل أمر قدرا، ولكل قدر سببا، فليس لأحد عن قدر الله مستحاص، ولا عن الخروج عن علمه مستناص، فكان مما سبق لك وقدر عليك، الذي كان من فراق عبد الله بن سلام إياك، ولعل ذلك لا يضرك، وأن يجعل الله لك فيه خيرا كثيرا. وقد خطبك أمير هذه الأمة، وابن الملك، وولي عهده، والخليفة من بعده، يزيد بن معاوية. وابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن أول من آمن به من أمته، سيد شباب أهل الجنة يوم القيامة، وقد بلغك سناهما وفضلهما، وجئتك خاطبا عليهما، فاختاري أيهما شئت؟ فسكتت طويلا. ثم قالت: يا أبا الدرداء لو أن هذا الأمر جاءني وأنت غائب عني أشخصت فيه الرسل إليك، واتبعت فيه رأيك، ولم أقطعه دونك على بعد مكانك، ونأي دارك، فأما إذ كنت المرسل فيه فقد فوضت أمري بعد الله إليك، وبرئت منه إليك، وجعلته في يديك، فاختر لي أرضاهما لديك،
(٢٢١)