فلما أيقن أهل المدينة بقدوم الجيوش إليهم تشاوروا في الخندق وقالوا: قد خندق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخندقوا المدينة من كل نواحيها.
ثم جمع عبد الله بن حنظلة أهل المدينة عند المنبر، فقال: تبايعوني على الموت وإلا فلا حاجة في بيعتكم. فبايعوه على الموت (1)، ثم صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إنما خرجتم غضبا لدينكم، فأبلوا إلى الله بلاء حسنا ليوجب لكم به الجنة ومغفرته، ويحل بكم رضوانه، واستعدوا بأحسن عدتكم، وتأهبوا بأكمل أهبتكم، فقد أخبرت أن القوم قد نزلوا بذي خشب، ومعهم مروان بن الحكم، والله إن شاء مهلكه بنقضه العهد والميثاق عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتصايح الناس، وجعلوا ينالون منه ويسبونه. فقال لهم: إن الشتم ليس بشئ، ولكن نصدقهم اللقاء، والله ما صدق قوم قط إلا نصروا، ثم رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم إنا بك واثقون، وعليك متوكلون، وإليك ألجأنا ظهورنا ثم نزل. وكان عبد الله بن حنظلة لا يبيت إلا في المسجد الشريف، وكان لا يزيد على شربة من سويق يفطر عليها إلى مثلها من الغد.
قدوم الجيوش إلى المدينة قال: وذكروا أن أهل الشام لما انتهوا إلى المدينة عسكروا بالجرف (2)، ومشوا رجالا من رجالهم، فأحدقوا بالمدينة من كل ناحية لا يجدون مدخلا، لأنهم قد خندقوها عليهم، والناس متلبسون السلاح، قد قاموا على أفواه الخنادق، وقد حرصوا أن لا يتكلم منهم متكلم، وجعل أهل الشام يطوفون بها والناس يرمونهم بالحجارة والنبل من فوق الآكام والبيوت، حتى خرجوا فيهم وفي خيلهم، فقال مسلم لمروان: أين ما قلت لي بوادي القرى؟ فخرج مروان حتى جاء بني حارثة، فكلم رجلا منهم، ورغبه في الضيعة، وقال: افتح لنا طريقا، فأنا أكتب بذلك إلى أمير المؤمنين، ومتضمن لك عنه شطر ما كان بذل لأهل