أهل العراق، وأصبت أقواما صغروا من ذنبي ما عظمتم، وعظموا من حقي ما صغرتم، فأقمت بين أظهرهم، إذ لم يكن لي منكم ولي ولا نصير.
ذكر الخوارج على علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: وذكروا أنه لما كان من الحكمين ما كان، لقيت الخوارج بعضها بعضا، فاجتمعوا في منزل عبد الله بن وهب الراسبي، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، ما ينبغي لقوم يؤمنون بالرحمن، وينيبون إلى حكم القرآن أن تكون هذه الدنيا (1) آثر عندهم من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والقول بالحق، وإن (2) ضر ومر فإنه إن يضر ويمر (3) في هذه الدنيا، فإن ثوابه يوم القيامة رضوان الله، وخلود الجنة، فاخرجوا بنا من هذه القرية الظالم أهلها، إلى بعض هذه المدائن، منكرين لهذه البدعة المضلة، والأحكام الجائرة.
فقال حرقوص بن زهير: إن المتاع بهذه الدنيا قليل، وإن الفراق لها وشيك، فلا تدعوكم زينتها وبهجتها إلى المقام بها، ولا تلونكم عن طلب الحق، وإنكار الظلم، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون (4)، يا قوم إن الرأي ما قد رأيتم، والحق ما ذكرتم، فولوا أمركم رجلا منكم، فإنه لا بد لكم من عماد وسناد، ومن راية تحفون حولها، وترجعون إليها.
ثم اجتمعوا في منزل زفر (5) بن حصين الطائي، فقالوا (6): إن الله أخذ عهودنا ومواثيقنا على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والقول بالحق، والجهاد في تقويم السبيل، وقد قال عز وجل لنبيه عليه الصلاة والسلام: (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض، فاحكم بين الناس بالحق، ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله، إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد) [ص: 26]. وقال: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)