المدينة من العطاء وتضعيفه، ففتح له طريقا، ورغب فيما بذل له، وتقبل ما تضمن له عن يزيد، فاقتحمت الخيل، فجاء الخبر إلى عبد الله بن حنظلة، فأقبل، وكان من ناحية الطورين، وأقبل عبد الله بن مقطع، وكان من ناحية ذناب، وأقبل ابن أبي ربيعة، فاجتمعوا جميعا بمن معهم، بحيث اقتحم عليهم أهل الشام، فاقتتلوا حتى عاينوا الموت، ثم تفرقوا.
غلبة أهل الشام على أهل المدينة قال: وذكروا أن عبد الله بن أبي سفيان قال: وقعت مع قوم عند مسجد بني عبد الأشهل، منهم عبد الله بن زيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاتل مسيلمة الكذاب، ومعه عبد الله بن حنظلة، ومحمد بن سعد بن أبي وقاص، وإبراهيم بن فارط، وإبراهيم بن نعيم بن النجار، فهم يقاتلون ويقولون للناس: أين الفرار؟ والله لأن يقتل الرجل مقبلا خير له من أن يقتل مدبرا. قال:
فاقتتلوا ساعة، والنساء والصبيان يصيحون ويبكون على قتلاهم، حتى جاءهم ما لا طاقة لهم به، وجعل مسلم يقول: من جاء برأس رجل فله كذا وكذا، وجعل يغري قوما لا دين لهم، فقتلوا وظهروا على أكثر المدينة. قال: وكان على بشر بن حنظلة يومئذ درعان، فلما هزم القوم طرحهما. ثم جعل يقاتلهم وهو حاسر حتى قتلوه، ضربه رجل من أهل الشام ضربة بالسيف قطع منكبه، فوقع ميتا. فلما مات ابن حنظلة صار أهل المدينة كالنعم بلا راع، شرود يقتلهم أهل الشام من كل وجه، فأقبل محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، وإن جراحه لتنفث دما، وهو يقاتل ويحمل على الكردوس منهم فيفض جماعتهم، وكان فارسا، فحمل عليه أهل الشام حملة واحدة حتى نظموه بالرماح، فمال ميتا.
فلما قتل انهزم من بقي من الناس في كل وجه، ودخل القوم المدينة، فجالت خيولهم فيها يقتلون وينهبون.
قال: وخرج يومئذ عبد الله بن زيد بن عاصم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخيل تسرع في كل وجه قتلا ونهبا. فقيل له: لو علم القوم باسمك وصحبتك لم يهيجوك، فلو أعلمتهم بمكانك؟ فقال: والله لا أقبل لهم أمانا، ولا أبرح حتى أقتل، لا أفلح من ندم، وكان رجلا أبيض طويلا أصلع، فأقبل عليه رجل من أهل الشام وهو يقول: والله لا أبرح حتى أضرب صلعته وهو