الضباب (1)، لا تأخذون لله حقا، ولا تمنعون له حرمة (2)، وكأني أنظر إليهم يقتلون صلحاءكم، ويخيفون علماءكم، وكأني أنظر إليكم يحرمونكم ويحجبونكم، ويدينون الناس دونكم، فلو قد رأيتم الحرمان، ولقيتم الذل والهوان، ووقع السيف ونزل الخوف، لندمتم وتحسرتم على تفريطكم في جهاد عدوكم، وتذكرتم ما أنتم فيه من الخفض والعافية، حين لا ينفعكم التذكار.
فقال الناس: قد علمنا يا أمير المؤمنين أن قولك كله وجميع لفظك يكون حقا، أترى معاوية يكون علينا أميرا؟ فقال: لا تكرهون إمرة معاوية، فإن إمرته سلم وعافية، فلو قد مات رأيتم الرؤوس تندر عن كهولها كأنها الحنظل، وعدا كان مفعولا، فأما إمرة معاوية فلست أخاف عليكم شرها، ما بعدها أدهى وأمر.
كلام أبي أيوب الأنصاري ثم قام أبو أيوب الأنصاري، فقال: إن أمير المؤمنين أكرمه الله قد أسمع من كانت له أذن واعية، وقلب حفيظ، إن الله قد أكرمكم به كرامة ما قبلتموها حق قبولها، حيث نزل بين أظهركم ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخير المسلمين وأفضلهم وسيدهم بعده، يفقهكم في الدين، ويدعوكم إلى جهاد المحلين، فوالله لكأنكم صم لا تسمعون، وقلوبكم غلف مطبوع عليها فلا تستجيبون. عباد الله، أليس إنما عهدكم بالجور والعدوان أمس، وقد شمل العباد، وشاع في الإسلام، فذو حق محروم، ومشتوم عرضه، ومضروب ظهره، وملطوم وجهه، وموطوء بطنة، وملقى بالعراء، فلما جاءكم أمير المؤمنين صدع بالحق، ونشر بالعدل، وعمل بالكتاب، فاشكروا نعمة الله عليكم، ولا تتولوا مجرمين، ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون. اشحذوا السيوف، وجددوا آلة الحرب، واستعدوا للجهاد، فإذا دعيتم فأجيبوا، وإذا أمرتم فأطيعوا تكونوا بذلك من الصادقين.
قال: ثم قام رجال من أصحاب علي فقالوا: يا أمير المؤمنين، اعط هؤلاء هذه الأموال، وفضل هؤلاء الأشراف من العرب وقريش من الموالي، ممن