لقاتلتهم الأنصار، وأما قولك: إنا لسنا كالناس، فنحن في هذه الحرب كما كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نتقي السيوف بوجوهنا، والرماح بنحورنا، حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون. ولكن أنظر يا نعمان: هل ترى مع معاوية إلا طليقا أعرابيا، أو يمانيا مستدرجا؟ وانظر أين المهاجرون والأنصار، والتابعون بإحسان، الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه؟ ثم انظر هل ترى مع معاوية غيرك وغير صويحبك (1)، ولستما والله بدريين، ولا عقبيين [ولا أحديين]، ولا لكما سابقة في الإسلام، ولا آية في القرآن (2).
كتاب عمرو إلى ابن عباس قال: وذكروا أن معاوية قال لعمرو بن العاص: إن رأس أهل العراق (3) مع علي عبد الله بن عباس، فلو ألقيت إليه كتابا ترفق فيه، فإن قال شيئا لم يخرج منه علي، وقد أكلتنا هذه الحرب، ولا أرانا نطيق العراق إلا بهلاك الشام. فقال له عمرو: إن ابن عباس لا يخدع، ولو طمعت فيه طمعت في علي. قال معاوية: على ذلك. فكتب عمرو إلى ابن عباس: أما بعد، فإن الذي نحن وأنت فيه ليس أول أمر قاده البلاء، وساقته العافية، وإنك رأس هذا الجمع بعد علي، فانظر فيما بقي بغير ما مضى، فوالله ما أبقت هذه الحرب لنا ولا لكم حياة ولا صبرا. واعلم أن الشام لا تهلك إلا بهلاك العراق، وأن العراق لا تهلك (4) إلا بهلاك الشام، فما خيرنا بعد أعدادنا منكم؟ وما خيركم بعد أعدادكم منا؟ ولسنا نقول: ليت الحرب عادت (5)، ولكنا نقول: ليتها لم تكن. وإن فينا لمن يكره البقاء كما فيكم، وإنما هما ثلاثة: أمير مطاع، أو مأمور مطيع، أو مشاور مأمون. فأما العاصي السفيه (6) فليس بأهل أن يدعى في ثقات أهل الشورى، ولا خواص أهل النجوى.