والقنوع بولايته، والحرص عليه، والاختيار له، ما قد عرفنا من صدق لسانه ووفائه، وحسن بلائه، فاجعله لنا بعدك خلفا، فإنه أوسعنا كنفا، وأقدمنا سلفا، وهو رتق لما فتق، وزمام لما شعب (1)، ونكال لمن فارق ونافق، وسلم لمن واظب، وحافظ للحق، أسأل الله لأمير المؤمنين أفضل البقاء والسعادة، والخيرة فيما أراد، والتوطن في البلاد، وصلاح أمر جميع العباد. ثم جلس.
ما تكلم به عبد الله بن عصام قال: ثم قام عبد الله بن عصام، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أصلح الله أمير المؤمنين، وأمتع به، إنا قد أصبحنا في دنيا منقضية، وأهواء منجذمة (2) نخاف هدها، وننتظر جدها، شديد منحدرها، كثير وعرها، شامخة مراقيها، ثابتة مراتبها، صعبة مراكبها، فالموت يا أمير المؤمنين وراءك ووراء العباد، لا يخلد في الدنيا أحد، ولا يبقى لنا أمد، وأنت يا أمير المؤمنين مسؤول عن رعيتك، ومأخوذ بولايتك، وأنت أنظر للجماعة وأعلى عينا بحسن الرأي لأهل الطاعة، وقد هديت ليزيد في أكمل الأمور وأفضلها رأيا، وأجمعها رضا، فاقطع بيزيد قالة الكلام، ونخوة المبطل، وشغب المنافق، واكبت به الباذخ (3) المعادي، فإن ذلك ألم للشمل وأسهل للوعث، فاعزم على ذلك، ولا تترامى بك الظنون.
ما تكلم به عبد الله بن مسعدة ثم قام عبد الله بن مسعدة الفزاري، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أصلح الله أمير المؤمنين، وأمتع به. إن الله قد آثرك بخلافته، واختصك بكرامته، وجعلك عصمة لأوليائه، وذا نكاية لأعدائه، فأصبحت بأنعمه جذلا، ولما حملك محتملا، يكشف الله تعالى بك العمى، ويهدي بك العدى، ويزيد ابن أمير المؤمنين أحسن الناس برعيتك رأفة، وأحقهم بالخلافة بعدك، قد ساس الأمور، وأحكمته الدهور، ليس بالصغير الفهيه (4)، ولا بالكبير السفيه، قد احتجن (5)