الناس أم المؤمنين مالوا إليها، وإن فر الناس لم يفر الزبير، وإن غدر الناس لم يغدر مروان، فغضبت عائشة، ورجع الزبير، وقتل مروان طلحة، وذهب مالي بما فيه، والناس أشباه، واليوم كأمس، فإن أتبعتني هواي، وإلا أرتحل عنك والسلام. فكتب معاوية إليه: أما بعد، فإنك قلدت أمر دينك قتلة عثمان، وأنفقت مالك لعبد الله بن الزبير، وآثرت العراق على الشام، فأخرجك الله من الحرب صفر اليدين، ليس لك حظ الحق، ولا ثأر القتيل. فلما انتهى كتابه إلى ابن عامر أتاه، فغمس يده معه، وبايعه، فلاطفه معاوية، وعرف له قرابته من عثمان.
ما أشار به عمار بن ياسر على علي قال: وذكروا أن عمار بن ياسر قام إلى علي، فقال: يا أمير المؤمنين، إنما بايعناك ولا نرى أحدا يقاتلك، فقاتلك من بايعك، وأعطاك الله فيهم ما وعد في قوله عز وجل: (ثم بغي عليه لينصرنه الله) [الحج: 60]، وقوله: (يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم) [يونس: 23]، وقوله: (فمن نكث فإنما ينكث على نفسه) [الفتح: 10]، وقد كانت الكوفة لنا، والبصرة علينا، فأصبحنا على ما تحب، بين ماض مأجور، وراجع معذور، وإن بالشام الداء العضال، رجلا لا يسلمها أبدا إلا مقتولا أو مغلوبا، فعاجله قبل أن يعاجلك، وانبذ إليه قبل الحرب (1).
ما أشار به الأشتر على علي قال: وذكروا أن الأشتر النخعي قام إلى علي، فقال: يا أمير المؤمنين، إنما لنا أن نقول قبل أن تقول (2)، فإذا عزمت فلم نقل، فلو سرت بنا إلى الشام بهذا الحد والجد، لم يلقوك بمثله، فإن القلوب اليوم سليمة، والأبصار صحيحة، فبادر بالقلوب القسوة، وبالأبصار العمى.