دخل رجال من أهل الكوفة على أبي موسى، فقالوا: ما ترى؟ أتخرج مع هذين الرجلين إلى صاحبهما، أم لا؟ فقال أبو موسى: أما سبيل الآخرة ففي أن تلزموا بيوتكم، وأما سبيل الدنيا فالخروج مع من أتاكم، فأطاعوه فتباطأ الناس على علي، وبلغ عمارا ومحمدا ما أشار به أبو موسى على أولئك الرهط، فأتياه فأغلظا له في القول، قال أبو موسى: إن بيعة عثمان في عنقي وعنق صاحبكم، ولئن أردنا القتال ما لنا إلى قتال أحد من سبيل، حتى نفرغ من قتلة عثمان.
خطبة أبي موسى الأشعري (1) ثم خرج أبو موسى فصعد المنبر، ثم قال: أيها الناس: إن أصحاب رسول الله الذين صحبوه في المواطن أعلم بالله ورسوله ممن لم يصحبه، وإن لكم حقا علي أؤديه إليكم، إن هذه الفتنة النائم فيها خير من اليقظان، والقاعد خير من القائم، والقائم خير من الساعي، والساعي خير من الراكب، فأغمدوا سيوفكم حتى تنجلي هذه الفتنة.
خطبة عمار بن ياسر فقام عمار بن ياسر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إن أبا موسى ينهاكم عن الشخوص إلى هاتين الجماعتين، ولعمري ما صدق فيما قال، وما رضي الله من عباده بما ذكر. قال عز وجل: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما، فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله، فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا) [الحجرات 9] وقال: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) [الأنفال 39] فلم يرض من عباده بما ذكر أبو موسى من أن يجلسوا في بيوتهم ويخلوا بين الناس، فيسفك بعضهم دماء بعض، فسيروا معنا إلى هاتين الجماعتين واسمعوا من حججهم، وانظروا من أولى بالنصرة فاتبعوه، فإن أصلح الله أمرهم رجعتم مأجورين وقد قضيتم حق الله، وإن بغى بعضهم على بعض نظرتم إلى الفئة الباغية، فقاتلتموها حتى تفئ إلى أمر الله، كما أمركم الله، وافترض عليكم ثم قعد. فلما انصرفا إلى علي من عند أبي موسى وأخبراه بما قال أبو موسى، بعث