والله شهيد عليك، واقض فيه قضاء ذي التحري المتقي، ولا يصدنك عن ذلك اتباع هوى، فليس أمرهما عليك خفيا وما أنت عما طوقتك عميا. فقال أبو الدرداء: أيتها المرأة إنما علي إعلامك وعليك الاختيار لنفسك. قالت: عفا الله عنك، إنما أنا بنت أخيك، ومن لا غنى بها عنك فلا يمنعك رهبة أحد من قول الحق فيما طوقتك، فقد وجب عليك أداء الأمانة فيما حملتك، والله خير من روعي وخيف، إنه بنا خبير لطيف. فلما لم يجد بدا من القول والإشارة عليها.
قال: بنية، ابن بنت رسول الله أحب إلي وأرضاهما عندي، والله أعلم بخيرهما لك، وقد كنت رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعا شفتيه على شفتي الحسين فضعي شفيتك حيث وضعهما رسول الله، قالت: قد اخترته ورضيته، فاستنكحها الحسين بن علي، وساق إليها مهرا عظيما، وقال الناس وبلغ معاوية الذي كان من فعل أبي الدرداء في ذكره حاجة أحد مع حاجته، وما بعثه هو له، ونكاح الحسين إياها، فتعاظمه ذلك جدا، ولامه لوما شديدا، وقال:
من يرسل ذا بلاهة وعمى، يركب في أمره خلاف ما يهوى، ورأيي كان من رأيه أسوأ، ولقد كنا بالملامة منه أولى حين بعثناه، ولحاجتنا انتخلناه، وكان عبد الله بن سلام قد استودعها قبل فراقه إياها بدرات مملوءة درا، كان ذلك الدر أعظم ماله وأحبه إليه، وكان معاوية قد أطرحه، وقطع جميع روافده عنه، لسوء قوله فيه، وتهمته إياه على الخديعة، فلم يزل يجفوه ويغضبه، ويكدي عنه، ما كان يجديه، حتى عيل صبره، وطال أمره، وقل ما في يديه، ولام نفسه على المقام لديه، فخرج من عنده راجعا إلى العراق، وهو يذكر ماله الذي كان استودعها، ولا يدري كيف يصنع فيه، وأنى يصل إليه، ويتوقع جحودها عليه، لسوء فعله بها، وطلاقه إياها على غير شئ أنكره منها، ولا نقمة عليها. فلما قدم العراق لقي الحسين، فسلم عليه. ثم قال: قد علمت جعلت فداك الذي كان من قضاء الله في طلاق أرينب بنت إسحاق، وكنت قبل فراقي إياها قد استودعتها مالا عظيما درا وكان الذي كان ولم أقبضه، ووالله ما أنكرت منها في طول ما صحبتها فتيلا، ولا أظن بها إلا جميلا، فذكرها أمري، واحضضها على الرد علي، فإن الله يحسن عليك ذكرك، ويجزل به أجرك. فسكت عنه. فلما انصرف الحسين إلى أهله، قال لها: قدم عبد الله بن سلام وهو يحسن الثناء عليك، ويحمل النشر عنك، في حسن صحبتك، وما أنسه قديما من أمانتك