كتاب علي إلى جرير بن عبد الله قال: وذكروا أن عليا كتب إلى جرير: أما بعد، فإن معاوية إنما أراد بما طلب ألا يكون لي في عنقه بيعة، وأن يختار من أمره ما أحب، وقد كان المغيرة ابن شعبة أشار علي وأنا بالمدينة أن أستعمله على الشام، فأبيت ذلك عليه، ولم يكن الله ليراني أتخذ المضلين عضدا، فإن بايعك الرجل، وإلا فأقبل (1).
استشارة عمرو بن العاص ابنيه ومواليه قال وذكروا أنه لما انتهى إلى عمرو بن العاص كتاب معاوية وهو بفلسطين، استشار ابنيه عبد الله ومحمدا، وقال: يا ابني، إنه قد كان مني في أمر عثمان فلتات لم أستقبلها بعد، وقد كان من هروبي بنفسي حين ظننت أنه مقتول ما قد احتمله معاوية عني، وقد قدم على معاوية جرير ببيعة علي، وقد كتب إلي معاوية بالقدوم عليه، فما تريان؟ فقال عبد الله وهو الأكبر: أرى والله أن نبي الله قبض وهو عنك راض، والخليفتان من بعده كذلك. وقتل عثمان وأنت غائب، فأقم في منزلك، فلست مجعولا خليفة، ولا تزيد على أن تكون حاشية لمعاوية على دنيا قليلة، أوشكتما أن تهلكا فتستويا فيها جميعا. وقال محمد: أرى أنك شيخ قريش، وصاحب أمرها، فإن ينصرم هذا الأمر وأنت فيه غافل، يصغر أمرك، فالحق بجماعة أهل الشام، واطلب بدم عثمان، فإنك به تستميل إلى بني أمية. فقال عمرو: أما أنت يا عبد الله فأمرتني بما هو خير لي في ديني (2)، وأما أنت يا محمد فقد أمرتني بما هو خير لي في دنياي. ثم دعا غلام له يقال له وردان، وكان داهيا، فقال له عمرو: يا وردان احطط، يا وردان ارحل، يا وردان احطط، يا وردان ارحل. فقال وردان: أما إنك إن شئت نبأتك بما في نفسك، فقال عمرو: هات يا وردان، فقال: اعتركت الدنيا والآخرة على قلبك، فقلت:
مع علي الآخرة بلا دنيا، ومع معاوية الدنيا بغير آخرة، فأنت واقف بينهما. فقال